يُزعجكَ التشتّت أثناء الصلاة، سيّما أنّه دخل حياتك الروحيّة متأخّرًا. ففي البداية، كُنت تجلس أمام الربِّ يسوع وقتًا طويلًا دون أن تُزعجكَ الأفكار. كُنتَ تصلّي بحرّارةٍ، إلى حين بدأتَ تشعرُ بأن حربًا اندلعت في الداخل، أو أنّ اضطهادات تجيئُكَ من الخارج، وتحاول غضّك عن ربِّكَ.
بتَّ تجلس في الكنيسة، وأنت تراقبُ عقاربَ الساعةِ أحيانًا، أو تلتهي بمشاهدة تصرّفات الآخرين. أو تبدأ بالصلاة بحوارٍ مع الربّ وتنتهي ببناء قصرٍ في إسبانيا. أم تواجُهكَ أحيانًا، وما أقساها، أفكارٌ سوداء، لا تُشبه الصلاة بشيء. للتشتّت أثناء الصلاة أسبابٌ كثيرة، نحاولُ معالجة بعضها معًا، في ضوء أمثلةٍ من الكتاب المقدّس وبالاستناد إلى بعض الخبرات في مسيرة الحياة الروحيّة.
الروح قويّة أمّا الجسد فضعيف (مت 26، 41)
من أسباب التشتّت في الصلاة أشياء عمليّة لا بدّ من ذكرها. منها التعبُ الجسديُّ الذي يصيبُ أغلب الناس، ولم يعُد لنا منه مفرٌّ في عالم اليوم الُمزدحِم. فربّما يغلبُكَ النعاس في كلّ مرّةٍ تحاولُ فيها الصلاة. وهنا قد تجدُ بنفسكَ لنفسكَ الحلّ الأنسب، كتخصيص وقتٍ للصلاة في الصباح الباكر قبل أن يدهمك تعبُ النهار، أو أن تخفّف من القيام بالنشاطات غير المفيدة.
كما أنّ الإطار العام لهُ تأثيرُهُ أيضًا. فإذا كنت تصلّي في مكانٍ كثيرُ الضجيج، أو تنبعثُ فيه الروائح الكريهة، أو يعُجُّ بحركة الناس، لن تستطيعَ التركيزَ لوقتٍ طويل. فالربُّ يسوع دعانا الدخول إلى مخادعنا إذا قرّرنا الصلاة (مت 6، 6)، ليس فقط هروبًا من فخَّي التكبّر والادّعاء، بل أيضًا لأنّ في الداخل، في سكينة القلب، نُصغي إلى صمتِ الله.
ألقِ على الربّ همّك (مز 55، 22)
تواجهُنا أيضًا همومُ الحياة أثناء الصلاة وتأتي لتحتلّ أفكارنا وتشوّشنا. قد تكون بسبب مشاكل في العمل أو العائلة أو العلاقات. لكلٍّ همومُه الكافية لتُتعبَ نفسَهُ وتزيدهُ كَربًا. والربّ يسوع يوم دعانا قائلاً: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والمُثقلين بالأحمال وأنا أريحكم” (مت 11، 28) أراد أن نأتيه حاملين الهموم ونلقيها لديه.
فهمُّكَ يهُمُّك أكثر من أيِّ شيءٍ آخر، وهو يُشيرُ إلى ما أنت بالفعل بحاجة إليه. فحوّل همّك إلى صلاة. مثلاً، إذا كُنتَ تصلّي مسبحتكّ اليوميّة، ولا تستطيعُ التركيز لكثرة التفكير بأمِّك المريضة، فأوقف الصلاة وناجي الربّ. أعطه حملك، فهذا ما يُريدُه. واجعل من أتعابك أداة صلاتك.
أمّا الفشل فلا يخفّفنَ من عزمك الروحي. وإذا شعرت أنّ الله لا يستجيب لك، أبقِ في بالك مثل القاضي الظالم والأرملة اللجوج (لو 18، 1-8). فالمثابرة تأتي من الحبّ. ومن يحبّ الله لا يتعبُ من البحثِ عنه ولا تغلبهُ بعض الحواجز.
صراعٌ ليس ضدّ لحمٍ ودمّ (أف 6، 12)
لا بدّ لنا أن نذكُر أنّ وقت الصلاة، إذا نبعت من القلب، هو حربٌ ضارية مع الشرير، الذي يُحاول بشتّى الطرق أن يمنعنا عن الله. فلا نحاولْ، نحنُ الخراف، أنّ نواجه الذئاب بأنفسنا. فلنَدَعْ الراعي يحمينا من هجماتهم. هو وحدهُ رجاءُ النصر. في كلّ مرّةٍ تُباغتُنا الأفكار الرديئة، لنطلب منهُ أن يُدافعَ عنّا، ولننسَ العدو، ولنهتمّ بالمراعي التي يهيّئها الربُّ لنا (مز 23، 2).
ختامًا، أنا أعترف أنّ الله كان أمينًا معي طوال مسيرتي. وهو أيضًا أمينٌ معك. فلنكُن أنا وأنت أمناء لهُ. وما أجمل أن نتحدّى جميع الصعاب من أجل أن نبقى أمناء للقائنا اليوميّ معه. ما أطيَبَ الربّ وما أجمل عطاياهُ لكّلِ من يُجاهد الجهاد الحسَنَ في السعي إليه.
اترك تعليقًا