مزمورُ الرعاة

قدُّوسٌ، قدُّوسٌ، قدُّوسٌ،
قدُّوسٌ هو اللهُ الَّذي أحبَّ،
فَقصدَ، وخلقَ، وخلَّصَ، ورفعَ، وألَّه.

كُنَّا في ليلٍ رهيبٍ،
ولم يكُن الرَّجاءُ فينا.
تآمرَ الكونُ علينا:
السارقونَ يسلبونَ ما لنا مِمَّا ليسَ لنا،
والوحوشُ تفترِسُ رعايانا وتفترِسُنا،
والليلُ يقسو علينا وبردُهُ يقتلُنا.
مِنَ الكونِ وما فيهِ مَن يُنقِذُنا؟
مَن يُحيينا؟

قدُّوسٌ هو الآبُ،
مَن سِواهُ رأى مذلَّتَنا،
وبرحمتِهِ افتقدَنا؟
جاءَت ملائكتُهُ تُبشِّرُنا،
أن انتهى ليلُنا،
وعادَ الرجاءُ فينا.
جاءَت تحملُ لنا الخبرَ:
“في بيتَ لحمَ ولدَ المُنتَظَر”.
ثُمَّ راحَت تُنشِدُ التسبيحَ:
“مجدُ اللهِ العَليِّ ظهرَ،
وسلامُهُ في الأرضِ انتشَر”.

قدُّوسٌ هو الابنُ،
الكلمةُ، والنورُ، والملكُ، والمسيحُ،
والغنيُّ-الفقيرُ، والوديعُ، والمتواضعُ،
والراعيُ، والحملُ، والذبيحُ، والطعامُ،
والمُخلِّصُ، والمُعتِقُ، والفادي،
واللطيفُ، والقريبُ، والصديقُ، والحبيبُ.
الألفُ والياءُ،
الكُلُّ بالكُلِّ.

سبحانَهُ راعيًا،
سيِّدَ الرُعاةِ،
يعرِفُ خرافَهُ وهي تعرِفُهُ،
يقودُها صوتُهُ وهيَ تسمعُهُ.
يهديها إلى مراعٍ خصيبةٍ،
ويورِدُها مياهَ راحةٍ.
يموتُ مِن أجلِها، وعَنها،
كيلا تهلِكَ واحدةٌ،
وإذا ضلَّت ضالةٌ،
ذهبَ باثرِها يُرجِعُها.

كانَ داودُ جدُّهُ راعيًا قبلَهُ،
حينَ اصطفاهُ اللهُ مِن بينِ إخوتِهِ وفضَّلَهُ.
كانَ أصغرَهُم، فكبيرَ شعبِهِ جعلَهُ،
وسلَّطَهُ عليهِ ملكًا.
ماتَ داودُ وزالَ مُلكُهُ معَهُ.
أمَّا هو فجاءَنا راعيًا،
ولمَّا رفعَهُ الآبُ ومُلكَهُ بلَّغَهُ،
رفعَنا أيضًا وملَّكَنا معَهُ.
سُبحانَهُ راعيًا – ملكًا،
لا يزولُ مُلكُهُ،
شارَكَهُ…

سبحانَهُ حملًا،
قرُبَ مِن رعيتِهِ حتَّى صارَ واحدًا مِنها،
وافتداها، إذ ماتَ واحِدٌ عَنها،
مُقرِّبًا ذاتَهُ ذبيحةً مرضيَّةً لأبيه.

نذكُرُ كيفَ كانَ الكُهَّانُ الأقدمونَ،
يأتونَنا في العيدِ،
يفرزونَ حملانًا مِن مراعينا،
يهيِّئونَها قُربانا،
عَن معاصيهِم ومعاصينا.
يختارونَها بيضاءَ،
لا ذنبَ عليها ولا عيبَ فيها،
فيلقونَ عليها خطايانا الحمراءَ،
وذنوبَ نفوسِنا ومعاصيها.
فلا تكفي التضحيةُ الكُهَّانَ ولا تكفينا.
فيعودونَ في العيدِ التالي،
يرجونَ أطهرَ مواشينا،
يُعيدونَ الطقوسَ والرُتبَ،
علَّ السماءَ تستجيبُ الطلبَ،
وتُبِعدُ عنَّا الغضبَ،
وتَعفينا.
أمَّا هو فالحملُ الكاملُ،
البريءُ، لا عيبَ فيه.
أطاعَ حُبًّا للآبِ وحُبًّا فينا.
حملَ كُلَّ آثامِنا وآلامِنا،
وقبِلَ الذَبح.
لا بُدَّ لَهُ أن ينخدِشَ فيشفينا،
ولا بُدَّ لموتِهِ أن يُحيينا.
هو الحبرُ الكاملُ،
زالَ بمجيئِهِ الناقصُ،
زالَ كهنوتُ هارونَ،
واندثَرَت رُتبُ اللَّاويِّينَ.
هو المُقِّربُ الأوحدُ،
قرَّبَ ذاتَهُ للآبِ، عنَّا ليُحيينا.
لا حاجةَ لأضاحيَ بعدَهُ:
ذبيحتُهُ تكفينا.

سبحانَهُ طعامًا،
نزلَ مِنَ السماءِ ووُلِدَ في مِذود.
كُنَّا في خطيئَتِنا كالدَّوابِ،
نعودُ إلى معالِفِنا كُلَّما أضنانا الجوعُ،
ونأكُلُ مِن آثامِنا مِن دونِ أن نشبَع.
بل كانَ جوعُنا يزيدُ،
وجشعُنا يفيضُ.
كَم تخاصَمنا وتقاتَلنا مِن أجلِ الفُتات!
أمَّا اليومَ فصارَ لنا الطعامُ الحقُّ في المذوَد.
وحدُهُ يُشبِعُ نفوسَنا،
فلا ندِبَّ بعدُ إلى معالِفِنا.
هو الطعامُ النازلُ مِن السماء…
المُشبِعُ، والشافي، والمُحرِّرُ، والمُحيي،
والمُصلحُ الطبعَ البشريَّ.
هو الطعامُ الَّذي أهَّلنا لنكونَ أبناء.

سُبحانَهُ راعيًا، حملًا، طعامًا…

قدُّوسٌ هو الروحُ،
الَّذي نطقَ في النبوءاتِ،
وعادَ فشرحَ لنا النبوءات.  
عرَّفَنا، وفهَّمَنا، وسيُذكِّرُنا.
فتحَ عيونَنا وليَّنَ قلوبَنا،
وأطلقَ ألسنَتنا بالتسبيحِ،
لتُنشِدَ المزمورَ:

قدُّوسٌ، قدُّوسٌ، قدُّوسٌ،
قدُّوسٌ هو اللهُ الَّذي أحبَّ،
فَقصدَ، وخلقَ، وخلَّصَ، ورفعَ، وألَّه.

آمين.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: