عائلة تُصلّي

تعلّمتُ صلاتي الأولى في عائلتي. هكذا هو حالُ الكثيرين مِن الّذينَ تلقّوا دروسَهُم المسيحيّة الأولى مِن أُمّهاتِهِم في المساءِ قبلَ نومِهِم. وصلاتي الأولى كانَت مِن أجلِ عائلتي. فجميعُنا قبلَ أن نسأل لنفوسِنا الأشياء، كُنّا نُصلّي مِن أجلِ “بابا” و”ماما” وإخوتِنا. في الصلاة الأولى، تتجلّى رغبةُ الإنسان القلبيّة في تحقيق دعوةِ العائلة الحقيقيّة، أن تكونَ على صورةِ الله الثالوث، شرِكةً في المحبّة. هكذا حسُنَ لدى الله – الثالوث أن يخلُقَ الإنسان عائلةً، على صورتِهِ كمثالِهِ.

مِن المؤَكَّد أنّ عائلةً واحِدةً لَن تصمُد إذا فَرَغَت مِن الصلاة. لأنَّها يومَ تَفقِدُ الشرِكة معَ الله، يستحيلُ عليها أن تحيا شركةً حقيقيّةً بينَ أفرادِها. وإذا لَم تستمِدَّ العائلة المحبّة مِن الله، يستحيلُ على أفرادِها أن يحبّوا بعضهم بعضًا. جوهرُ العائلة هي الشرِكةُ في المحبّة، وإذا فقدَت العائلةُ جوهرَها صارَت مُجرّدَ ارتباطٍ اجتماعيٍّ، يجمعُ أقرباءَ الدمّ، تُهدِّدُهُ صُغرى العاصفاتِ بالزوال.

ولكُلِّ عائلةٍ تاريخٌ مُقدَّسٌ مع الله. هذا ما يجعلُ اختبار الصلاةِ كثيرَ التنوّعِ مِن عائلةٍ إلى أُخرى. فيتأثرُ شكلُ الصلاةِ ومضمونها بظروفِ العائلة وأفرادِها، بشخصيّةِ كُلِّ واحدٍ منهم، بأفكارهم وأحلامهم، وبهمومهم وأحزانهم. على العائلة أن تقرأ ماضيها وتَفهَم حضورَ الله الدائم مُنذُ نشأتِها، وأن تُسلِّم الله حاضرها بثقةٍ كاملة، كيما تتحقَّقَ فيها مشيئتُهُ.

كَم جميلٌ أن يكونَ البيتُ مكانَ صلاةٍ يشهدُ لما تعيشُهُ العائلة تحتَ سَقفِهِ مِن صلةٍ دائمةٍ مع الله. فتتجمَّلُ زواياهُ بالإيقونات، وتُخصِّصُ العائلةُ فيهِ مكانًا للصلاة، يضعونَ في وسطِهِ الكتابَ المُقدّس وكُتُبَ الصلاة، والصلواتِ التّي كتبوها هُم، وصوَرَ القدّيسين، والشموع والزهور…

وكَم جميلٌ أن يتشارَكَ الجميع في تحضير الصلاة، لأنَّ الجميعَ عِندَهُم ما يُقدِّمونَهُ مِن أجلِ الآخرين، حتّى الأبناء الأصغَرَ سنًّا. فيتفانى الجميعُ بتجهيزِ المكان، وتحضيرِ رُتبةِ الصلاة، واختيار النصوص الكتابيّة، وانتقاء التراتيل. لا بُدَّ مِن الإشارةِ إلى ضرورةِ حفاظِ كُلُّ واحدٍ مِن أفرادِ العائلة على صلاتِهِ الفرديّةِ الخاصّة. فالصلاةُ الفرديّة وصلاةُ العائلة تتكاملان.

العائلة الّتي تُصلّي تثبُت. لأنَّها تستمِدُ مِن اللهِ المحبّة التّي تجمعُ أفرادَها. والعائلة التّي تُصلّي، تنشأُ في كنفِها وتخرُجُ مِن أصلِها عائلاتٌ مٌستقبليّةٌ تُصلّي. والعائلة التّي تُصلّي هي شاهدةٌ حقيقيّةٌ بينَ الناس، تنقُلُ العدوى الحميدة إلى الكثيرِ مِن العائلات.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: