يلتَزِمُ الكثير من الشبّان والشابات في مُنظّمات وفرق رعويّة، يتنشّؤون فيها على الإيمان، ويختبرونَ في كنفِها، مِن خلالِ نشاطاتِها الروحيّة، لقاءات شخصيّة وفريدة مَع يسوع. أمّا من يُخبِرونَ والديهِم عَن هذه الاختبارات فهُم نادرون. فيحيونَ حياةً مسيحيّة مُلتَزِمة يبقونها بعيدة عَن بيوتِهِم، كأنّ العائلة والكنيسة هما مكانانِ مُنفصلان مُتناقضان. هكذا هو الحال أيضًا مَعَ الوالدَينِ اللّذَينِ يخجلانِ مِنَ الحديثِ في الأمورِ الروحيّة أمام أولادِهِم.
الكنيسة الأولى
أجِدُنا أمامَ مُجتمعٍ يعتَبِرُ فيها الفَردُ اختبارَهُ الروحيّ شأنًا خاصًّا علَيهِ أن يبقى بعيدًا عَن العائلة. مِن أسبابِ ما وصلنا إليهِ، أنَّ المُجتَمَع اليوم فَرَض نظامًا حياتيًّا ولَّدَ شَرخًا بينَ أفرادِ العائلة، فما عادوا يلتقونَ إلّا قليلًا. ومِن الأسبابِ أيضًا، أنّ الحياة الروحيّة فيها الكثير مِن الانكساراتِ، الّتي يخجلُ أحدُهُم مِن أن يُخبِرَهَا لوالدَيهِ أو لأبنائِهِ، حرصًا مِنهُ على صورتِهِ أمامهُم، وخوفًا مِن حُكمِهِم عليه. رُبَّما حاولَ أحدُهُم أن يُشارِكَ عائلَتَهُ باختبارٍ ما، فلاقى لا مبالاةَ أو سُخريّةً وانتقادً، فلَم يُعاود الكرّة أبدًا.
في الواقِع، على العائلة أن تكونَ مكانَ التكوينِ الأوّل الّذي يتنشّأُ فيهِ الجميع على محبّة المسيح. فالبيت هو الكنيسة الأولى، ومِن العائلة ينطلِقُ الجميع نحو الرعيّة، حيثُ يُعاشُ الإيمانُ المسيحيُّ معَ جماعةِ المؤمنين الأوسَع، ومنها نحو الكنيسة الجامعة.
الثقة بعناية الربّ
تعيشُ عائلات اليوم الكثيرَ مِن التحديات الّتي ما عادَت تخفى على أحَد. وأرى أنَّ الخلاصَ لها هو في أن تعي وتفهَمَ هُويَّتَها الحقيقيّة. على العائلة، كما الكنيسة الجامِعة، أن تَستسلِم استسلامًا كاملًا لمشيئةِ الله وتدبيرِهِ. فوحدَهُ الإنسان الّذي يتّكِلُ على الربِّ ينجَح، أمّا المُتّكِلُ على ذاتِهِ يَخيب. والعائلة الّتي تتّكِلُ على ذاتِها مِن دونِ الوثوقِ بالعنايةِ الإلهيّة تَخيب.
يومَ كانَ التلاميذُ في السفينة يواجهونَ غَضَبَ البحرِ، انتصَبَ يسوعُ بينَهُم وأخرَسَهُ فورًا (متّى 8، 26). فلتثِقْ كُلُّ عائلةٍ تُحيطُ بها الصعاب بأنّ الربَّ قائدٌ لها، يستطيعُ كُلَّ شيء، والمُتّكِلُ عليه لا يخيبُ أبدًا.
المُشاركة في كُلِّ شيء
كما تُساهِمُ المُشاركة في نموِّ المحبّة داخِلَ البيتِ الواحِد. في العائلة يَختَبِرُ الجميع، معًا، بنفسٍ واحدة، السقوطَ والنهوض، والانكسارَ والتعزية، والحُزنَ والفرح. العائلة الّتي تتشارَكُ في كُلِّ تِلكَ الأمور تنمو فيها المحبّة فتُصبِحُ أكثَرَ تماسُكًا. فيها يتفهَّمُ الواحِدُ الآخر ويقبَلُهُ كما هو. فيها لا يدومُ الحُزنُ والفِراق، لأنّ النفوسَ تتحاب وترتبِطُ ارتباطًا روحيَّا حقيقيًّا.
كانَـت الجماعةُ المسيحيّة الأولى تتشاركُ في كُلِّ شيء. يشاركونَ على تَعليم الرسل، والشركة، وكسر الخُبز، والصلوات (أع 2، 42). هكذا العائلة، الكنيسة الأولى، فيها يُنقَلُ الإيمان، أي تعليمِ الرُسُل، وفي كنفِها يتشاركُ الجميع في كُلِّ شيء، في شؤون المادّة وفي الأمورِ الروحيّة، ويواظبونَ معًا على المُشاركةِ في الأسرار، ويُصلّونَ معًا مِن دونِ انقطاع.
فلتكُن كنائسُنا البيتيّةُ الصغيرة مُتَّكِلةً على عناية الربِّ القادِر على كُلِّ شيء، ولتجتهِد في التعليم والعمل والصلاةِ معًا. لَم يفُتْ الأوان بَعد. يُمكِنُنا بالاتّكالِ على الربِّ والاجتهاد، أن نَجعَل مِن عائلاتِنا مكانًا أفضل.
اترك تعليقًا