كتَبتُ مُنذُ زمنٍ صلاةً عُنوانُها “دَعني أرحَل“.
في الأمسِ، عُدتُ إلَيها، أو رُبَّما أُعِدتُ إلَيها.
قرأتُها، صلَّيتُها، صلَّيتُ الزَمَنَ الّذي تلاها، وقرّرتُ أن أكتُبَ عَن لقائي بعدَ الرحيل،
عَن ذاكَ اللقاء في البعيد.
ربِّ،
في الماضي،
في أمسٍ ليسَ بالبعيد،
سَرَقَتْني الأفكارُ مِن انشغالاتي اليوميّة.
تبِعتُها،
واستسلمتُ لها.
أوقَدَتْ فيَّ رغبةً لَم أعرِفها مِن قبل،
فَرُحتُ أكتُبُها لكَ:
رجوتُكَ أن تدَعني أرحَل،
إلى أيِّ أرضٍ تُريد،
إلى صحراءٍ خالية،
ليسَ فيها ما يُثنيني عَنكَ،
وليسَ فيها ما أهرُبُ إليهِ مِن وجهِكَ.
رجوتُكَ أن تدَعَني أرحل،
مِن أجلِ رَغَبتي في أن أفهَمَ:
ما تَكشِفُ لي عَن ذاتِكَ،
وما تَكشِفُ لي عَن ذاتي.
رجوتُكَ رحيلًا كترحالِ ابراهيمَ،
ومسيرًا كمسيرةِ شَعبِكَ في الصحراءِ خلفَ موسى،
رجوتُكَ جوعًا وعطشًا،
رجوتُكَ قَفرًا،
وفقرًا.
رجوتُكَ صحراءَ،
عُريًا وعراءَ.
رجوتُكَ رحيلًا إلى البَعيد؛
فاستجبتَ!
وها أنا اليوم،
أُسرَقُ مِن انشغالاتي اليوميّة مِن جديد،
لتعودَ بي الذاكرة إلى صلاتي القديمة.
لتعودَ بي الذاكرة إلى صلاتي المُستجابة.
أتأمَّلُ ذاتي في البَعيد،
في مكانِ النعمةِ هذا.
فيهِ أنا غريب،
وأعرِفُ الآنَ أنَّ في موطِنِي أيضًا كُنتُ غَريب…
أينما حللتُ ما عادَ يهُمُّ.
غريبٌ أنا،
فلا موطِنَ لي، إلّاك.
في البَعيد،
الّذي اختَصَر المسافةَ بيني وبيني،
عرفتُكَ قريبًا،
أقرَبَ منّي.
فهمتُ ما فَعَلْتَهُ مِن أجلي:
أبعدتني عنّي،
لأُدرِكَ قُربَكَ منّي.
الآنَ، أشتَهي عودتي لذاتي الّتي وجَدَتْكَ،
فأدنوَ مِنكَ،
حينَ أدنوَ منّي.
في البَعيد،
في صحرائي، إخلاءٌ،
يُنسيني مَن أنا،
عندَ الناسِ وعندي.
في صحرائي، لقاءٌ،
يُذكِّرُني مَن أنا،
عِندَكَ.
وإذا نَسيتُ يومًا مَن أنا عِنَدَكَ،
امنحني مِن جديد
لقاءً جديدًا في البَعيد.
اترك تعليقًا