غالبًا ما تبدأُ رحلةُ الزواج بعد قصّة حبٍّ تُحاكي قصص هوليود، لتمُرّ بعدها بأزماتٍ كثيرة، تهدّد الزواج أحيانًا بالانهيار. فتعكسُ الأمثلةُ الشعبيّةُ الفكاهيّةُ التي تُقال في الزواج واقعًا أليمًا، لا بدّ من التوقُفِ عليه، سيّما أنّ نسبة الطلاق في الآونةِ الأخيرة إلى تزايُد. هذا لا يعني، كما هو شائعٌ، أنّ زيجات الماضي كانت أنجح. فالحُزنُ في الزواج قديمُ العهدِ: في الماضي، غُضّ الطَرف عنه لأنّ المجتمع مَقتَ الطلاق، أمّا اليوم فصارت المجتمعاتُ أكثرَ تحرّرًا، تسمحُ لمن حَزِنَ في زواجه أن يخرُجَ عن صمته.
أمّا الأسباب التي تقفُ خلفَ الحزنِ الزواجيّ فهي كثيرة. منها ثلاثة معتقداتٍ خاطئةٍ تستدعي منّا التفكير العميق. نعرضُها لكم فيما يلي، ونحن كلُّنا يقين، أنّ التفكير العميق فيها، يُبدّلُ ولو القليل من الوضع الراهن.
الزواج ثمّ الحبّ
من المعتقدات الشائعة والخاطئة أنّ الحبّ يسبقُ الزواج، وأنّ ذاك الأخير هو صيرورةُ الأوّل. فقصص الحبّ التي نشاهدها في دور السينما والمسلسلات المحليّة والأجنبيّة، غالبًا ما تنتهي أخيرًا بالزواج. فيُخيّل لأزواج اليوم أنّ ما وصلوا إليه يوم الفرحة الكبير هو النهاية.
في الواقع، ينجذِبُ الإنسان إلى الآخر بعاطفةٍ قويّة تدفعُهُ للزواج، لكنّها تضمحلُّ بعد سنواتٍ من العيش المشترك، فيُخيّلُ للزوجَين أنّ الحبّ انتهى. إنّما الحبّ أكثرُ من عاطفةٍ ورغبة. بل هو بذلٌ كاملٌ للذات في سبيل الآخر، حتّى النَفَس الأخير. فالحبُّ مسيرةُ عمرٍ، والزواجُ محطّةٌ فيها، لا تنتهي إلّا بالموت.
وبما أنّ الزواج هو مسيرةُ نموٍّ في الحبّ، فللزوجَين الحاجة للاستقاء من النبع، لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه. فلا بُدّ من التعلّق بشخص يسوع وأن يصيرَ هو أصلُ البيت. فمنهُ، نبعُ الحبّ، ينهلُ الزوجَين الحبّ الحقيقي، ذاك الذي يُعطي ذاته حتّى الموت، فيكبُرانِ بالحبّ لبعضهما ولأولادهما.
من الوحدة إلى الوحدة
المُعتقد الثاني الخاطئ أتانا من فلسفة إغريقيّة لا تزال قائمة إلى اليوم في لا وعينا. اعتقد الإغريقُ بالأسطورة القائلة أنّ أصل الإنسان “أندروجينيّ”، أي إنّ أصلهُ ذكرٌ وأنثى في جسدٍ واحد. فقرَّرَت آلهةُ اليونان القديمة إضعافه فاصلةً جزءَهُ الذكر عن الأنثى. فتاهت أنصافُ الناسِ في الأرض بحثًا عن الجزء الآخر المفقود. في تلك الأسطورة إشارةٌ إلى الوحدة القاتلة التي يشعر بها الإنسان، ويسعى إلى قتلها بزواجٍ يجمعه بآخرٍ، وهو الجزءُ المطابق له، فيحيا بعدها بسعادة.
لكنّ الزواج في الواقع لا يُنهي ألم الوحدة، بل تزدادُ حدَّتُهُ، لأنّ الأزواج يعيشون خائبين الواحد جنب الآخر، في وحدةٍ قاتلةٍ لا دواءَ لها. فالزوج ليس جواب نقصٍ ولا هو دواء الوحدة: بل الله هو كذلك. أمّا الشريك فهو رفيقُ الطريق، في مسيرةٍ نحو الله، الكامل الوحيد. فالحربُ على الوحدة هو في السعي معًا نحو الله، في جهاد قداسةٍ قاسٍ بعض الشيء، لكنّه كثيرُ الفرح.
الحبّ يستطيع كلّ شيء
يُخيّلُ لمن يُعاصرُ المجتمع الاستهلاكيّ اليوم أنّ الأشياء المُحطّمة لا يُمكنُ تصحيحها، بل تُبدل بأُخرى تناسبُ حاجاته أكثر. فيهربُ من تزعزع زواجه نحو الخيار الأسهل وهو إمّا بقطع التواصل والتأقلم مع حياةٍ زواجيّةٍ فاشلة، أو المضيّ في طريق الهجر أو الانفصال.
لكنّ الحبّ يشترط بذل الذات في سبيل الآخر، حتّى في أشدّ الصعوبات. والحبّ القادر على كلّ شيء، يستطيع تصحيح كلّ شيء. بالطبع هناك بعضُ الاستثناء النابع من الضعف البشري أو من الظروف الخارجيّة القاسية، لكنّ الاستثناء لا يأتي إلّا تثبيتًا للقاعدة. فالمحبّة، كما يقول فيها القدّيس بولس، تتأنّى وترفُقُ… لا تظنُّ السوء… تحتملُ كلِّ شيء، تُصدِّقُ كلَّ شيء، وترجو كلَّ شيء، وتصبِرُ على كلِّ شيء. (1 قور 13، 4-7).
في الخاتمة، لا بدّ لمن يتحضّر للزواج أن يفكّر مليًّا بما هو مقدمٌ عليه، وألّا يدخل مشروع الحبّ ما لم تكن فيه الرغبة ببذل الذات حتّى النفس الأخير. وإن اشتدّت عليه الصعاب في زواجِهِ، فلا عيب في طلبِ المساعدة ممّن يستطيع ذلك: إمّا كاهن الرعيّة، أو المُرشد الروحي، أو وسيطٍ آخرٍ محترف، يلجأُ إليه بالتنسيق مع الكنيسة. من تزعزع زواجه، فليكن فيه الرجاء أنّ الحبّ، إذا ما وُجِدَ فيه، يستطيعُ كلَّ شيء.
اترك تعليقًا