تكثرُ المقالات والدراسات التي تتحدّث عن التعصّب الإسلامي الذي لم يترك الواجهة منذ سنة 2001، وقد أخذ من الإعلام ساحةَ معركةٍ له، ينشرُ فيها ثقافة البغض والعنف والقتل، إمّا من خلال مؤسّسات إعلاميّة اصطبغت بلون الإرهاب، وإمّا من خلال “البروباغاندا” في وسائل التواصل الإجتماعي. ولكن ما يلفت نظري هو ظاهرة الإعلام المسيحيّ المتعصّب، المنسي أحيانًا، الذي جاءنا كردّة فعلٍ على المجموعات التكفيريّة، أو الذي تطوّر نتيجة حاجة الأقليّات للدفاع عن نفسها. لا ينقصُ ذاك الإعلام شيئٌ من التعصّب والتزمّت وهو في جوهره وظاهره لا يستحقُّ أن تُدعى المسيحيّة عليه.
تعصّب ممنهج
تحمل قناة “الحياة” مهمّة القصف الممنهج من خلف المتاريس المسيحيّة في حرب التعصّب الإعلامي، فتبثُّ الكراهيّة في برامج إذاعيّة جذّابة لمسيحيٍّ مقهور، لتنسيه أنّ السيّد المسيح دعاه إلى حبّ الأعداء ومباركة اللاعنين وتذكّره بحدود طبيعته الحيوانيّة المتصلّبة التي لا تعرفُ حوارًا ولا انفتاحًا. هنا برنامجٌ يسخرُ من القرآن، ولا يهتمُّ إلّا بإظهار متناقضاته، وهناك من يسخر من الإسلام، بشكلٍ عام، مبيّنًا المسلمين جميعًا، دون أي استثناء كأشرارٍ يفتكون في العالم، وكأعداءٍ صريحين للمسيح وكنيسته. ثمّ نشاهدُ شهادات من تركوا الإسلام وقبلوا المسيحيّة، تُقدّمُ لنا وكأنّها تسجيلُ أهدافٍ في صفوف العدوّ. طبعًا ليست هذه القناة هي الوحيدة في ممارستها، فحتّى الوسائل الإعلاميّة التي تسائلها الكنيسة وتشرف عليها، تنزلقُ أحيانًا، وإن لا إراديًّا، في فخّ التعصّب.
تعصّب عشوائيّ
أمّا وسائل التواصل الإجتماعي الحديثة، فقد سمحت للجميع التعبير عن آرائهم، وإطلاق الأحكام والشعارات باسم الدين. فنرى من احتقن بالطائفيّة وفجّر سمومًا في تغريدة “تويتر” لن تزيد شرقنا سوى توتّرٍ دينيّ لم يعد يطاق. فانتقلت الحرب من ميدانٍ نتقانصُ فيه بالذخيرة الحيّة، ونقتل فيه باسم الدين، إلى ساحة معركة سلاحها السباب، نقتل فيها الدّين باسم التعصّب.
تكفيرٌ يواجه تكفيرا
في الواقع، تُناقض هذه المواقف تعليم يسوع الصريح في الكتاب المقدّس، لا سيّما في عظته على الجبل، حيثُ دعانا صراحةً إلى محبّة الأعداء. كما تُناقضُ تعاليم الكنيسة التي تدعو إلى اليوم، في جميع رسائلها المتعلّقة بالإعلام، إلى نشر ثقافة الحوار والإحترام والصداقة. وبرأيي فهي أسوأ من الإعلام الإسلامي المتطرّف لما فيها من رياء. فالأخير يكفّر المسيحيّين عقيدةً وتطبيقًا، أمّا الأوّل فيدعو إلى التسامح عقيدةً ولا يطبّقُ سوى تكفيرا.
اترك تعليقًا