هي آيةٌ كتابيّة صارت في كلِّ فوهٍ كالمثال الشعبي، يُقال في الكهنة كلّما ساءت العلاقة بهم. وقد صارت الأكثر تردّدًا بين آيات الكتاب على لسان من فضّل البقاء خارج الكنيسة، إن بسبب اختبارٍ سيّءٍ مع كاهنٍ أو أكثر، وإن بسبب ما سمعه من آخرين عن اختبارات ربّما عاشوها في الماضي أو ربما اختلقوها. وأحيانًا أيضًا قد يتّخذ البعض من هذه الآية درعًا يتخفّى وراءه، ليستر بُعده عن الكنيسة، مُلقيًا الذنب على القيّمين عليها.
تجول تلك الآية عالم الإعلام، وتحتلّ وسائل التواصل الاجتماعي، فنجدها على صفحاتها، عنوانًا لمقالٍ في فضيحة كهنوتيّة من العيار الثقيل “الدارجة” في هذه الأيّام، أو تعليقًا في أسفل مقالٍ، لم يُقرأ في معظم الأحوال، لأنّ القرآءة لا تستهوي الشرقيّين عادةً.
لا يجوز أن نقوّل هذه الآية ما لا تقوله. فلنتمعّن في معانيها الكتابيّة معًا، ولنرَ ما أراد يسوع بقوله. توجّه يسوع في إنجيل متّى (مت 23، 1-4) إلى الجموع وإلى تلاميذه، وقال لهم ألّا يكون فيهم رياء الفرّيسيّين، الذين لا يفعلون ما يقولون. فالفرّيسيّون في أيّام يسوع، كانوا فئةً من المجتمع، تقول بالحفاظ على شريعة موسى بحرفيّتها وتطبيق ما تقوله بلا رحمة. ولا طالما بكّت يسوع الفرّيسيّين بسبب سلوكهم، وحضّهم على التوبة، لأنّهم يتظاهرون بالصلاح، ويُجّلون الناموس، ويأتون بالأعمال الصالحة، فقط ليراهم الناس، لكنّ قلوبهم بعيدة عن الخالق.
طبعًا، يسوع لمّا قال تلك الآية، لم يقلها في الكنيسة، لا في كهنتها ولا في أبنائها. بل حذّر الجميع من خطر الإنزلاق في الفرّيسيّة. فالكهنة قد يقعون في تجربة الفرّيسيّة التي تربض أيضًا خلف باب المؤمنين عمومًا. الكاهن يكون فرّيسيًّا يوم يعظك في سرّ التوبة مثلًا، ولا يقترب هو منه، وأنت قد تقع أيضًا في الفرّيسيّة، حين تقول بوجوب مساعدة الفقراء وأنت بدورك لا تلتفت لحاجة أحد. فتقول مثلًا أنّ على الكهنة أن يقتدوا بالمسيح ويحيوا حياةً بسيطة، وأنت تركض خلف ثروات العالم. فيُقال فيك أنت حينها : إسمعوا أقواله ولا تفعلوا أفعالهُ.
أم بالأحرى، قد لا ترضى أن يحكم عليك أحد، وتتوقّع من الجميع الرحمة، وأمام من يدلّ عليك بإصبعه، تستنجد بكلام الربّ وتقول له : “لا تدينوا كي لا تدانوا”. أمّا أنت فتدين. ففي كلّ مرّةٍ تقول “إسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم” في أحد الكهنة، بهدف الدينونة، فأنت تناقض ما تقوله في مكانٍ آخر، وأنت تردّد “لا تدينوا كي لا تدانوا”. فأنت كالفرّيسي، تفعل عكس ما تقول! وليسوع وحده القدرة على تحذيرنا من الفرّيسيّين، لأنه وحده معصومٌ من الخطأ، ووحده الذي لا يُمكن لكلامه أن يخالف أفعاله.
وإن شعرت وأنت تقرأ، أنكّ تريد التعليق قائلًا لي : “بس أبونا الخوارنة…” هذا يعني أنّ الفرّيسيّة لا زالت متّقدة في داخلك. فأسكِتْها، واحفظ في قلبك ما قاله بولس الرسول في المحبّة : إنّها تسترُ جمًّا من الخطايا.
اترك تعليقًا