وَرَدني هذا السؤال مُنذُ أسبوعَين ولم أشأ أن أُقدِّمَ جوابًا مُتسرِّعًا، بل أردتُ أن أُفكِّرَ مليًّا، أن أبحث في الكتاب المُقَدَّس، أن أستشيرَ الكتبَ الروحيّة واللّاهوتيّة، وأن أبني مقالًا مُتناسقًا علميًّا يُقدِّمُ أجوبةً منطقيّةً، مُقنعةً، ومدُعّمة بباقة من الآيات الكتابيّة. خانَتني قُدُراتي وإلى اليوم لم أكُن بعد قد وجدتُ جوابًا.
أعدتُ طَرحَ السؤال على نَفسي مرّاتٍ عدّة. بالأحرى صلَّيتُهُ. كما تُصلّى المسبحة صليّتُهُ. وكررتُ. وأجبتُ نفسي: “أن أحيا”.
“ماذا يعني أن أسلِّمَ ذاتي للربّ؟ أن أحيا”.
والآن، بعدَ أن حصلتُ على الجواب، أُبرِّرُهُ.
يبدأُ كُلُّ شيءٍ حينَ أُدرِكُ المعنى الحقيقيّ للحريّة الّتي وضعها اللهُ فيَّ يومَ خلقني. فأنا لا أستطيعُ أن أسَلِّمَهُ ذاتي ما لَم أكُن حرًّا.
الحريّةُ الحقيقيّةُ بعيدةٌ عن مفاهيمِ الحُريّةِ المغلوطةِ في مُجتمعاتنا الحاليّة. لا تعني الحريّةُ أبدًا أن أتبَعَ غريزَتي إلى حيثُ تسيرُ بي، لأنّي بِذَلكَ أكونُ عبدًا لها. ولا تَعني الحريّةُ أن أسيرَ كالأعمى وِفقَ التيّارات التحرُّريّة التّي تجتاحُنا كالموضة، لأنّها تُصَيِّرُني عبدًا لأسلوبِ حياةٍ اختارهُ آخرونَ لي. أن أكونَ حُرًّا هو ألّا أُسلِّمَ ذاتي لأيِّ سيّدٍ أرضيٍّ يستعبدني: لا المال، ولا السلطة، ولا الشهوة، ولا التيّارات الفكريّة، ولا الأشخاص…
باسمِ الحريّة قد نجعلُ مِن أنفُسِنا عبيدًا.
الحُريّةُ هيَ مِنَ الله الّذي يَهَبُ الإنسانَ ما يؤولُ إلى فَرَحِهِ وخلاصِهِ. تبلُغُ الحُريّةُ كمالَها متى أدرَكَتْ غايَتَها وحقّقَت في الإنسانِ الخلاصَ والفَرَح. بكلماتٍ أُخرى أكثَرَ جُرأة، تبلُغُ الحريّةُ كمالَها فقَط حينَ أُسلِّمُ ذاتي إلى الله، القادرُ وَحدَهُ أن يمنحني الخلاصَ والفَرَح.
العبوديّة تقودُ إلى الموت، لكنَّ الحُريّةَ تهديني إلى سُبُلَ الحياة. آدَم وحوّاء سارا إلى الموتِ يومَ صارَا عبدَينِ لأنفُسِهِما وأكلا ثمرةَ شجرةِ معرِفةِ الخيرِ من الشرِّ (تك 3، 6). قَبَلَ سقطَتِهما، نَصَبَ اللهُ لهُما شجرةَ الحياة (تك 2، 9)، ولم يمنَعها عنهُما، لكنَّهُما فَضَّلا العبوديّة التّي تؤدّي إلى الموت.
أن أُسلِّمَ نفسيَ للربّ، هذا يعني أن أحيا. لأنّ مَن سلَّمَ حياتَهُ لأشياءٍ زائلة، صار عبدًا لها، وماتَ متى تموت. ومَن سلَّمَ نفسَهُ للربّ، تحقَّقَ فيهِ كمالُ حُريّتِهِ، ويحيا إلى الأبد لأنّ الله حيٌّ أبدًا.
اترك تعليقًا