الوَقتُ لله

اللهُ خَلَقَ. خلَقَ وأعطى خَلقَهُ. أعطاهُ الوقت. وجَعَلَ للوقتِ نهايةً. أرادهُ جميلًا فجَعَلهُ ذا نهاية. لأنَّ النهايةَ تمنحُ الأشياءَ قيمَتها. والإنسانُ، صورةُ اللهِ، وحدَهُ في الخلقِ يعرفُ الوقتَ. يَجِدُهُ ويَسرِقُهُ ويُسابِقُهُ ويُضيّعُهُ وينساه. يُصادِقُهُ أحيانًا ويُعاديهِ أحيانًا أُخرى. يتعايشان ومن ثمَّ يتماوتان.

الوقتُ الّذي نِلناهُ نُعطيه. هو أغلى من أيِّ مُقتنىً ماديٍّ لنا. ولا نُعطي ما كان غاليًا إلّا لمَن كانَ غاليًا. فلِمَن كانَت قلوبُنا كانَ وقتُنا. وإن كانت قلوبُنا حقًّا لله، كانَ وقتُنا كُلُّهُ لهُ. لا نُفكِّرُ بعدَ اليوم كيف نَختَلِقُ للهِ وقتًا، لأنَّ لهُ تُعطى كُلُّ الأوقات.

عمليًّا، نرغبُ جميعُنا بأن نضَعَ أنفُسَنا في حضرةِ الله كُلَّ الوقت. لكنَّ كثرة الانشغالات تمنَعُنا من ذلِكَ. وإيقاعُ الحياةِ السريع باتَ خانِقًا، يسرِقُ منَّا كُلَّ إدراكٍ لحضورِ الله في تفاصيلِ الحياةِ اليوميّة، ولا يسمحُ أن نُعطيَ الأشياءَ الأجمَل وقتَها. أن يصيرَ الوقتُ كُلُّهُ لله، في وسطِ عالمنا المُكتظ، يتطلَّبُ منّا تمرُّسًا طويلًا يمرُّ بمراحِلَ عدّة.

قُلنا آنفًا أنّهُ مَن كانَ الأغلى على قَلبِنا قدَّمنا لهُ القِسمَ الأكبَرَ من وقتنا. يكبُرُ الوقتُ المُخصَّص للهِ إذا كبُرَ حُبُّنا لهُ. فلتتوطّد علاقتُنا بِهِ أوّلًا. لتتعلَّق قلوبُنا بِه. قالَ يسوعُ: “حيثُ يكونُ كَنزُكَ هُناكَ يكونُ قَلبُك” (متّى 6، 21). وحيثُ يكونُ قلبُكَ هُناكَ تبذُلُ وَقتَك. من أحبَّ آخرًا يستَرِقُ وقتًا يوميًّا يمضيهِ معهُ. فكيفَ هو حالُ مَن أحبَّ اللهَ مِن كُلِّ قلبِهِ ونفسِهِ وفِكرِه؟ لجعلَ يومَهُ كُلَّهُ وقتًا لله.

بعدَها نشعُرُ أنَّ أشياءَ كثيرة لم تعُد مُهمَّة في حياتِنا. تسلُبُ منّا أوقاتًا كثيرةً من دونِ أن تُعطيَنا السعادة. فنتخلّى عنها. نقطعُها كما يقطعُ الكرّامُ كُلَّ غُصنٍ لا يُثمر. ما أكثَرَها الانشغالات الّتي لا فائدةَ منها!

وتبدأُ رحلةُ تنظيمِ الوقتِ العمليّة. كُلُّ شيءٍ يجبُ أن يكونَ اللهُ محورَهُ. كُلُّ ما أفعَلُهُ من أجلِ تمجيدِهِ أُبقيه. وكُلُّ ما يُقصيني عنهُ أُقصيه. مثلًا، أضعُ بَرنامجًا روحيًّا واضِحًا عمليًّا يَلحظُ قدّاسًا أسبوعيًّا أو ربّما يوميًّا، لما لا؟ وقتَ تأمُّلٍ صباحيٍّ، ووقتَ قراءةٍ يوميّةٍ في الكتاب المُقدّس. أُنظِمُ وقتي وبعدها أُطيعُهُ. أبقى أمينًا لما نَظَّمْتُهُ. سأشعُرُ لاحقًا بحاجةٍ لأن أُعطيَ الله حيّزًا أكبَرَ من يوميّاتي، فأُعيدُ التنظيمَ من جديد، إلى أن يصيرَ كُلُّ وقتي وقتًا لله.

وإن كانَ اللهُ للوقتِ الواهِب، فهو الأحقُّ بِهِ. حسبُنا نَقضيهِ تمجيدًا لاسمِهِ!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: