دَرَجَتْ في الآونة الأخيرة بادرةٌ جميلةٌ في المحطّات التليفزيونيّة اللبنانيّة التي تستضيفُ في برامجِها الصباحيّة كهنةً ومرجعيات دينيّة، من مُختلف الطوائف، للحديثِ على الأمورِ الروحيّة التي تحظى الاهتمام الوافر في أيّامنا اليائسة هذه. بادرةٌ محمودة، أعطت الكثيرَ من الأمل للمشاهدين، خاصّةً أنَّ الكهنة الذين نشاهدُهم، من أصحاب الاختصاص والشهادة المسيحيّة الصّادقة، يحدّثوننا بكلمة الله، ويلامسون واقع حياتنا، ويقدّمون لنا رجاءً مسيحيًّا نتوقُ إليه.
أمّا المُعيب في الموضوع، فهو استضافة نفسِ البرامج لبصّاراتٍ يأتينَ بعد الكاهن، ليحدّثننا بالأبراجِ والغيبِ والقدرِ والمكتوب. وأحيانًا، تتحوّل المقدّمة التي حاورت الكاهن، من مؤمنةٍ تسألُ في قضايا الإيمانِ بلهفةٍ، إلى قارئةِ أبراجٍ، ترسمُ للناسِ خطَّ حياتهم اليومي، وتبشّرُهُم بحتميّةٍ لا تشبهُ المسيحيّة بشيء. فإذا كانت الحريّةُ من الله، فالحتميّةُ هي طبعًا من الشيطان.
لن أُطيل الكلام على الأبراج وعن تلاعُبها في عقولِ الناس، إنّما ما يهمّني هو ذاك الفِصام الذي يصيبُ الإعلام. فحريّة الإيمان وحتميّةُ الأبراج يتباعدان بُعد المشارقِ عن المغارب، والكاهنُ والبصّارةِ يتنافران. إمّا أن نقدّم للعالم ذاك أو أن نعرض له تلك.
إن دخلنا كواليس أو دهاليز أو دياميس إعلام لبنان، وتحرّينا عن أسباب الفِصام، وجدنا أنّ الحاجة الأساس هي في إرضاء غرائز المشاهدين، لتحقيق نِسبٍ عاليةٍ من المشاهدة، وبالتالي رَفع سعرِ الإعلانات. كلُّ شيءٍ مسموح، حتّى النقر على أوتار الغريزة، من أجلِ جرعةٍ صغيرة لمدمني الأموال. وكم أخاف أن يصيرَ الكاهنُ سلعةً إعلاميّةً، نستضيفه خطيبًا، لأنّ هذا ما يطلِبُهُ المشاهدون، دونَ أن تكون القناعة راسخة في أذهانِ القيّمين عن المحطّة.
من الشيئين اختاروا واحدًا: الكاهن أو البصارة. ومن الشيئين اختاروا واحدًا: إمّا إعلامًا حرًّا صادقًا، إمّا إعلامًا كاذبًا مُستعبدًا للمال.
اترك تعليقًا