أدركتُ أخيرًا أنَّ الألمَ ليسَ ظرفيًّا بل هو مُرتَبِطٌ بوجودِ الإنسان. بكلماتٍ أُخرى، أستطيعُ القول: “أنا موجود، إذَن أنا أتألّم”. والألمُ بشكلٍ أو بآخَرٍ هو شرطُ الوجودِ وواقيهِ مِنَ العَدَم. فأقولُ أيضًا: “إذا لَم أتألَّم، زِلتُ من الوجود”.
هذا يعني أنّني يومَ أهرُبُ مِنَ الألمِ، أحاولُ الهرَبَ من الوجود. وكثيرًا ما نحاولُ ذلكَ لأنَّ الألَمَ أكثرُ المشاعِرِ قساوةً، ولأنَّ الألمَ تصاعُديٌّ: يكونُ صغيرًا ويكبُرُ تدريجيًّا. هو مُغامرةٌ تزدادُ صعوبَتُها تدرجيًّا إذا قَبِلتُ أن أخوضَها.
يبقى أن أعرِفَ لماذا عليَّ أن أخوضَها. بكلِّ بساطةٍ لأنَّ الألَمَ هُنا والآن؛ يُلازِمُ وجودي. أرى الحياةَ كَمَن يقطُنُ جزيرةً في عرضِ المُحيط. قد يُرضيهِ البقاءُ حيثُ هو، والاكتفاء بما يملِكُ مِنْ ضمانات، أو قد يقرّرُ أخيرًا أن يَركَبَ البحرَ، من دونِ أن يخافَ الغَرَق، وأن يذهبَ بعيدًا. عندئذٍ، سوفَ يرى جزيرَتَهُ القديمة مِن زاويةٍ أُخرى. سوفَ يرى أيضًا جُزُرًا أُخرى، وحقائقَ أُخرى، وأفراحًا أُخرى. والأهمُّ أنّهُ سيكونُ حُرًّا. أن أقبَلَ الألَمَ هو أن أُبحِرَ بعيدًا عَن جزيرتي.
إلى أينَ أذهب؟ إلى المَجد. طبعًا لا أتكلَّمُ عن أيِّ مجدٍ أرضيّ. كُلُّ مجدٍ أرضيٍّ يبقى ناقصًا. ما المجدُ إذن؟ هو ما خُلِقنا لأجلِهِ: هو الغَلَبة على كُلِّ شيءٍ وتحقيق غاية الوجود. وكأنّي أسمحُ لنَفسي أن أقول، أنَّ المجدَ الحقيقيَّ، طريقُهُ قَبولِ مُغامرةِ الألَم. ألَم يدعُ يسوعُ كُلَّ من أرادَ أن يتبَعَهُ إلى مجدِهِ أن يحمِلَ الصليبَ ويَتبَعه؟
ختامًا، أنا لا أخافُ بعدَ الآن من السيرِ في طريقِ الألَم، لأنّني أرى مجدًا موعودًا خَلفَ الأُفُق. ورجائي بأِن أصِلَ إلَيهِ، جاءَني من اتّكالي على يسوع، لأنَّ من أعدَّ إليَّ المَجدَ كُلَّهُ، إذا سلّمتُهُ أمري بثقةٍ، أوصَلَني إليه.
اترك تعليقًا