جلستُ في كُرسيِّ الاعتراف أنتظرُ المؤمنين الراغبين بالتماس رحمةِ الله. رُحتُ أتأمّلُه… خشبُهُ لا رائحة خشبٍ فيهِ، بل رائحة خرافٍ ضالّة وجدَت فيهِ راعيها وعانقتهُ. مضى على وجودِهِ في الكنيسة أكثر من قّرنَينِ ولم يمُت. فقد سقتهُ دموعُ التائبينَ وأبقتهُ حيًّا إلى اليوم.
أجلسُ فيهِ خَلَفًا لكهنةٍ سبقوني. آلافٌ من التائبين جثوا هنا سائلينَ الحلّ بالسُلطان الذي أعطاهُ يسوع لرسُلِهِ. أخذتُ البطرشيلَ المُعلّق إلى جانبي ووضعتهُ بعُنقي. هو نفسُهُ البطرشيلُ البنفسجيّ الذي شهدَ عبرَ الأجيال على أقسى المعاركِ الروحيّة، وشهدَ على ظفرِ الربِّ يسوعَ وانتصارِهِ على الشرير ومكائدِهِ.
أُسائلُ نفسي: كيف لي أن أصيرَ أداةَ سرٍّ أحتاجُهُ أكثَرَ من غيري؟ صليبُ الربّ في يدي، أكرّمهُ بقبلات أناملي. يُذكّرُني المصلوبُ أنّني أنا الأداةُ في يدهِ. هو سيّدُ الرحمة الذي غَفَرَ للإنسانِ معصيَتَهُ فوقَ الصليب، وهو ينتظرُ التائبَ العائدَ إليهِ بدموعِ الاستغفار، كيما يقيمهُ من سقطته.
ألحظُ بطرفِ عيني ستارَ الكُرسيّ يتحرّك فتتسارعُ دقّاتُ قلبي. هوذا ابنٌ ضالٌ عائدٌ إلى أبيهِ. أرتبكُ! ما أرهبهُ من وقتٍ! أغمض جفنَيَّ وأصلّي…
“ربِّ يسوع،
أنت من دعاني لأكونَ خادمًا لأسرارِهِ،
ألتمِسُ منكَ مواهبَ روحكَ،
لا سيّما الإصغاء.
لكي أستطيعَ أن أفهم الآخرين من دونِ أن أحكُمَ عليهم.
إجعلني أبكي مع الباكين وأفرح مع الفرحين،
وإن شئتَ لي أن أتألّمَ معهُم ومن أجلهم، فأشرك آلامي بآلامكَ.
وإذا أردتُ إرشاد النفوس،
ضع كلمتَكَ أيُّها الكلمة على شفتَيَّ.
استعملهُما لتكونا مُؤدِّبتَينِ لمن احتاجَ تأديبا،
ومُشجِّعَتينِ لمن احتاج تشجيعا،
ومُعزٍيّتَين لمن احتاجَ عزاءَ.
وحين ترتفعُ يدي فوق رأسه،
لترسُمَ عليه صليبَ الحياة،
اجعلني مؤمنًا بما أنت صانعٌ من خلالي.
ربِّ وإلهي،
أنا أرغبُ بأن ترجعَ إليكَ كلُّ النفوس. آمين”.
غادرَ التائبُ الكُرسيَّ فرحًا مُبتسِمًا. حينَ جاءَني، دخلَ إليهِ كمَن يدخلُ القبرَ بعدَ أن شبِعَ من الموت، وخرج منهُ مُنتصرًا قائمًا مع المسيح. أيُّ شهادةٍ أحتاجُها أكثر لأومن؟ رأيتُ فرحةَ التائبِ الخارجِ من الكرسيِّ فهتفتُ في سرّيِ: “لقد قام المسيح… حقًّا قام”.
اترك تعليقًا