لا يمضي علينا يومٌ لا نشعُرُ فيه بالغضب لما تتسبّبهُ لنا الأحداثُ والأوضاع من توتُّرٍ دائمٍ. والحالُ أنّ الغضبَ يجرُّ الغضب، فيجدُ الواحدُ نفسه كثيرَ التوتُّر لدرجة أنّه يفور انفعالًا لأتفه الأسباب. ولانفعالهِ الكثير من النتائج السلبيّة التي تصلُ إلى حدّ إهانة الآخرين وأذيّتهم أو التسبّب بأزماتٍ كبيرة. ومن مَلَكَهُ الغضبُ نغّصَ لهُ عيشهُ. فليس فينا من لا يبحثُ عن حلٍّ لغضبه، ولو أمكننا التخلّص منه لما قصّرنا.
على منوالٍ آخر، يُخيفُني ما يحصُلُ اليوم في مُجتمعاتنا من تعبيرٍ عنيفٍ عن الغضب. فالواقعُ أنّ من يُراقب ما يصيرُ في شوارعنا يلحظُ الضغطَ النفسيَّ الذي ما عاد يُطاق.
غضبٌ لا بدّ من التعبير عنهُ
ليس الغضبُ سلبيًّا وإن كان الشعورُ به مُزعجًا. قد تدفعُنا الحاجة للتعبير عنه إلى التسرّعِ في ردّ الفعل. إنّما الحلُّ فيكمنُ بإيجاد المخرجِ الأفضل لهُ دون كبتهِ في داخلنا. إن نشعُرُ بالغضب فلنصغي إليه، لأنّ الغضب يريدُ أن يقول لنا شيئًا، وإن أسكتناهُ فوّتنا فرصة فهمِ ما يدورُ في داخلنا.
القشّة التي تكسُرُ ظهرَ البعير
طبعًا لكي نفهم ما يريدُ غضبنا أن يقولهُ لنا، علينا أن نبحثَ في مسبّباته الأصليّة، وليس في الأحداث الأخيرة التي دفعتهُ إلى الخروج. فمثلًا إن أغضبكَ ما قالهُ لكَ مديرُ عملك هذا الصباح، فهذا يعني أنّ أشياء كثيرة تراكمت على مرّ السنوات، وما فاه به هذا الصباح ليس أكثر من القشّة التي كسرت ظهر البعير. وأمام ما يُغضبكَ من أفعال الآخرين، لا بدّ لك أن تتساءل ما الذي يدورُ في داخلكَ وقد تسبّب لك بهذا الكمّ من الغضب. إذن، الغضب الذي لا طالما رأينا فيه النقمة، أراهُ صار نعمة. إذا ما أصغينا إلى ما يقفُ خلفهُ، وجدنا خللًا ينادينا للاستجابةِ له. وغالبًا ما يكونُ الخللُ هو حاجاتنا التي لم تتمّ تلبيتها.
حينَ يصيرُ الغضبُ مثمرًا
أمّا مسيرةُ استثمار الغضب، فتبتدئُ بسيطرتنا على ردّ فعلنا الانفعاليّ، وأخذ المسافة الكافية من الحدث المُزعج. بعدها يُصغي الغاضب إلى غضبهِ ويبحثُ عن السبب الحقيقي الذي تسبّب له بشعوره هذا. يبحثُ في داخله عن الحاجات المُهملة التي يجبُ تلبيتُها. فيعبّرُ بعدها عن غضبه بالطريقة الأسلم، بأن يقول صراحةً ما الذي تسبّب لهُ بالانزعاج، وماذا كان يدورُ في داخلِهِ من مشاعرَ وأفكار، وما هي حاجاتُهُ، منتهيًا بصياغة طلبٍ واضحٍ يلبّيها لهُ. ويتحوّل بذلك الغضبُ إلى أداةِ رصدٍ تكمّلُ نقائصَ حياتنا اليوميّة. وبدل أن يكونَ سبب متاعبَ وشقاء، يصيرُ فرصةَ تعبيرٍ سلاميّة مُثمرة.
يبقى على كلِّ واحدٍ منّا مسؤوليّة تدريب نفسهِ في تعبيره عن مشاعره وحاجاته. كما باتَ ضروريًّا أن ندرّبَ أولادنا مُنذُ أيّامهم الأولى، أكان في البيت أو في المدرسة، على التواصل اللّا عُنفي.
اترك تعليقًا