هل نعمةُ الله غبيّة؟

شاهدتُ منذُ مدّةٍ قصيرةٍ تمثيليّةً من إبداعات بِدع أميركا العظيمة، تتناولُ موضوعَ الدينونةِ والمثولِ أمام المسيح، بأسلوبٍ أرادَه المخرجُ محبّبًا، فأنتَجَهُ هزيلًا هزليًّا. والغريبُ أنّ بعض معلّمي التعليم المسيحي يستخدمونَ هذا الفيلم في صفوفِ الدراسة الثانويّة ليتّعظَ الطلّابَ من “لاهوته العميق ومعانيه المدُهشة”.

مشهديّة رخيصة

في الفيلم يمثُلُ الناس أمامَ رجلَين قاسيَين بعضَ الشيء، يقفون في صفٍّ طويلٍ يشبه طوابير الخُبزِ أيّام المجاعات، يحملون مِلفّاتِهم في أيديهم، ويقتربون كلَّ ما نادى بهم أحد الرجلان قائلًا “التالي”، وكأنّ باب السماءِ هو المرحلةُ الأولى من تجريدِ الإنسانِ من كرامته. أمّا بعدها، فيقدّمُ المُدان مِلفَّه للمسؤول الذي يتطّلعُ عليه. وعلى ما يبدو فإنّ لا الأعمالَ الصالحة ولا الأعمالَ السيّئة لها أيُّ تأثيٍر في الحُكمِ المُبرم. بل يصعدُ الجميعُ في ميزانِ الخيرِ: صاحب القرار. وفي جميعِ الأحوال يرسبُ المُدان.

لحظة وصول المُدان الأخير، يأتي رجلٌ يلبسُ قميصًا عليه اسمَ يسوع، ويقفُ في الميزانِ مكانَهُ، فيُشيرُ الميزانُ إلى صلاحِهِ الكافي، فيأخذُ “يسوعُ” الرجلَ معه ليجالسَهُ وسط احتجاجات الصفوف الطويلة، فيعلّقُ حارسُ السماءِ قائلًا: “لهذا اسمُها نعمة”.

لن أعلّقَ على المستوى الإخراجيّ الفنّي المتدنّي ولا على الكمّ الهائل من الهرطقاتِ الرخيصة، بل ما يهمّني هو فكرةُ تسخيفِ النعمةِ وتبسيطِ الخلاصِ بالربِّ يسوع.

بالنعمة مخلّصون

بالطبع نحن بالنعمةِ مخلّصون كما يقول القدّيس بولس (أفسس 2، 8-9). فلا يُمكن لأحدِّ أن يدّعي يومًا أنّه بقدرتِه يستحقُّ الخلاص. فلكلٍّ منّا ماضي، وتتملَّكُنا جميعًا الخطايا والخصالَ الرديئة والضُعُفات. أمّا بنعمةِ الربِّ يسوعَ فنحنُ مخلّصون. لأنّ خلاصَهُ مجّاني ولا يشترطُ شيئًا. فلو كان الخلاصُ مشروطًا، لما عاد اللّه إلهًا، ولكانت الخليقة في شقاءٍ تام.

لا استنسابيّة ولا غباء

لكنّ مجّانيّة الربَّ يسوع لا تعني الاستنسابّية. فكيفَ للربِّ يسوعَ أن يميّزَ أحدَنا عن الآخر، هو الذي أحبّنا من قبلِ إنشاءِ العالم؟ فخلاصُ الربّ يسوع يشملُ كلَّ إنسانٍ وكلَّ الإنسانِ.

أمّا بالنسبةِ للأعمالِ، فليسَت شرطًا للخلاص الذي نلناه. لكنّها، إذا غابَت، كانت المؤشّر الواضحَ والصريح لرفضِنا الخلاص. فالخلاصُ يُعطى ولا يُفرض، لكنّ ثمار قبوله تظهرُ جليّةً في أعمالِ الإنسان. ويشيرُ القدّيسُ يعقوبَ، في رسالتِه الوحيدة، إلى موتِ الإيمان إذا لم تكُن فيه الأعمال (يعقوب 2، 17). فلا يُمكنُ للإنسان أن يكتفي بالإيمان، سيّما أنّ الشياطين تؤمن أيضًا، بل على أعمالِ الإنسان أن تكمّلَ ما يقولُه ويعترفُ به.

أمّا نداءُ يوحنّا المعمدان جاءَ مدويًّا على ضفافِ نهر الأردن حين نادى بالتوبةِ، داعيًا إيّانا لنُثمرَ أعمالًا تليقُ بتوبَتِنا (متّى 3، 8)، ولا تخلو كلماتُهُ من القساوةِ إذ يشيرُ إلى الفأس عند أصولِ الشجر، جاهزةً لقَطعها إذا لم تُثمر.

والربُّ يسوع بذاته حين دعانا للثباتِ بمحبّتِه، أعلنَ أنّ الثباتَ في الكرمةِ يجني الثمار، وإلّا قُطعت الأغصان (يوحنّا 15، 5). لا فصام في الحياةِ المسيحيّة. فإمّا أن تكونَ مع الربّ وإمّا لا تكون. فلا يُجنى لا من العلّيق عِنَب ولا من العوسَجِ تين (متّى 7، 16).

روحُ التمييز

ختامًا، لا بدّ أن نُشير أنّ هذا الفيلم هو واحدٌ من ملايينِ أكياسِ النُفايات التي نجدُها على شبكة الإنترنت. فليَكُن فينا روحُ التمييز في انتقاءِ ما يُطابق تعاليمِ الكنيسة. فلنُبحر أكثر في عالم الكتاب المقدّس ولنحتمي في سترِ الكنيسة، عروسَ المسيح، فهما، معًا، الضمان لصحّة التعليم.

شاهد الفيلم :

The GOOD-O-METER

رأي واحد حول “هل نعمةُ الله غبيّة؟

اضافة لك

  1. أبتي العزيز، إن فكرة الميزان والملفات (او ما يحمله عادة من الذهب) وايضا الحارس والةقةف في صفوف طويلة مستوحات مباشرة من الميثولوجيا الفرعونية وكتاب الموتى. حين من ليس لديه أي ذهب لا يستطيع العبور ويتم وضع الذهب في ميزان الخير والشر. وفي الميثولوجيا يتم ذكر أن بعض الآلهة قد تدخلت لتخلص بعض الاشخاص من هلاك محتم عبر الحلول معها. وآخر فيلم هوليوودي يمشهد هذه المرحلة بدقة لا متناهية هو Gods of Egypt
    تحياني لمقالاتك الدقيقة

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: