لا أعرفُ. بكلّ بساطة… فلو كنتُ أعرفُ لما كُنتُ أخاف. بالطبع أنا لا أتحدّث عن الرُهاب المرضيّ الذي قد يساعدني علم النفس على تخطّيه. إنّما عن ذلك الخوف الذي يُرافقُني منذ إدراكي أنّي لستُ وحيدًا في الوجود. فصرتُ أخافُ لأنّي لستُ وحيدًا، وأخافُ إذا كنتُ وحيدًا. فلم يعُد اختبارُ الخوفِ منفصلًا أبدًا عن وجودي.
الخوف من المجهول
نخافُ من المجهول، ممّا يخبّئه الآخرون لنا، أو يُخبّئهُ المستقبل، أو حتّى ما نخبّئه نحنُ. كلّ مخفيٍّ مُخيف. وحدها الحقيقة محرّرة.
فالخوفُ يبقى اختبارًا داخليًّا لا مفرَّ منهُ. وأنا، لا أعرفُ كيف أواجهُه ولو كنتُ قد تمنّيتُ ذلك مرارًا. ولعلمي أنّ أحدًا في هذا العالم لن يساعدني في خوفي لأنّ الجميع يُخيفون ويخافون، لا بُدّ من العودة إلى من لا يخاف، إلى من يُحبُّ حبًّا كاملًا مجّانيًّا لا يُخيفُ البتّة، إلى الذي ليس فيه نوايا خفيّة، بلّ فيه حبٌّ حقيقيٌّ صريحٌ بالقولِ والموتِ والقيامة.
لا تخف… أنا معك
فالكتاب المقدّس بعهدَيه هو رسالةُ طمأنينة لمن في قلبه الخوف. الله هو من طمأن أنبياءَهُ حين أرسلهم: “لا تخف لأنّي معك وأباركُك” (تك 26، 24)، “لا تخف لأنّي معك…”(أش 41، 10)، “لا تخف من وجوههم (إر 42، 11). هو من أرسل ابنهُ الوحيد ليُزيلَ الخوف من القلوب، فجاءَ مطمئنًا قلب مريم ويوسف في بشارته ومقوّيًا الرعاة بميلاده العجيب. خاطبنا معزّيًا من فوق جبل التطويبات. شدّد الرُسُل في البحر الهائج. وحين وقف وسطهم بعد القيامة، أوصاهم ألّا يخافوا، هو من أرسل لنا المعزّي، ليبقى منتصرًا على الخوف إلى الأبد. وها هي كلماته تتردّد إلى اليوم: ” أنا معكم حتّى انقضاء الدهور” (مت 28، 20).
خوفٌ إلى الله
أنا لا أعرفُ كيف أواجه الخوف. لكنّ يسوع وحده يعرف. فأنا اليوم أُلقي بخوفي بين يديه. أنا إذا حاولت وقرأتُ وتجرّأتُ وبنيتُ نفسي، أستطيع مواجهة بعضه، وربّما زادني علمي خوفًا. وحدهُ هو الأقوى من أيّ خوف لأنّه وحدهُ الحقّ الكامل.
أمّا الشقيُّ فهو من يخافُ من الله، وما أكثرهم…. ما أتعس من يخافُ من الفرصة الوحيدة بالتغلّب على الخوف. “رأس الحكمة مخافةُ الله” (سير 1، 16)، لا أن نخاف منه، بل أن نخافَ إليه.
اترك تعليقًا