نُريدُ الفرح. سئمنا ملذَّاتِ الدُنيا وعرفنا أنَّ مشاعرَ الفرحِ الَّتي تُعطينا إيَّاها لا تدوم. وآمنَّا أنَّ الفرحَ الكاملَ لا يأتينا إلَّا مِنَ الله. نسألُهُ أن يُعطيِنا. نُجاهدُ لنُقنِعَهُ أنَّنا على استحقاق. نحفظُ الوصايا ونعملُ بها. نُطيع. لا نُسيءُ لأحدٍ. بل نخدُم. نعتقدُ أنَّنا بصلاحِنا نستميلُ اللهَ ونستزيدُ مِنهُ الفرح. لكنَّ الحقيقةَ أنَّ الفرحَ سابق.
الفرحُ الحقيقيُّ الآتي مِنَ اللهِ يسبقُ كُلَّ شيءٍ. شاءَ اللهُ مُذ خلقَ الإنسانَ أن يُعطيَهُ الفرحَ الأبديّ. رفضَهُ الإنسانُ لكبريائِه وراحَ يجمعُ شذراتِ فرحٍ زائلٍ في متاهاتِ العالم. ما تركَهُ الله. بل شاءَ أن يُرسلَ ابنَهُ الوحيد، فرحَهُ وسرورَ قلبِهِ، ليحمِلَ الفرحَ إلى العالم.
أرسلَ ملاكَهُ إلى مريمَ مُبشِّرا. قال: “إفرحي” (لو 1، 28). أعلنَ الملاكُ بكلمتِهِ الأولى مشيئةَ اللهِ مِن أجلِنا. أعلنَ أنَّ الآتي يكونُ الفرحَ لجميعِ الأُمم، ولا يكونُ بعدَهُ لا حزنٌ ولا ألم. أجابتهُ مريم: “أنا أمةُ الربِّ، فليكُن لي بحسبِ قولِكَ” (لو 1، 38). أطاعَت مِن أجلِ الفرحِ الَّذي نالَتهُ. ومِن أجلِ هذا الفرحِ أيضًا، همَّت مُسرعةً لخدمةِ نسيبتِها اليصابات.
الفرحُ عطيَّةُ اللهِ المجَّانيَّة. لا يربطُ اللهُ عطاياهُ باستحقاقاتِنا. لا يُشترى مِنهُ الفرحُ بالصلاح. طاعتُنا لهُ وخدمتُنا هما ثمرةُ الفرحِ لا ثمنُه. من يقبلُ الفرحَ ويثبُتُ فيهِ يُثمرُ طاعةً وأعمالًا صالحة، فيصيرَ شاهدًا للفرحِ الحقيقيِّ أمامَ مَن يبحثونَ عنهُ.
تجسَّدَ يسوعُ. بهِ دخَلَ الفرَحُ إلى العالَم. كانَ بينَنا فَرِحًا. يُبشِّرُ لكيّ يكونَ فرحُنا كاملًا. يخدمُ ولا يُخدَم. بكلِّ ما لهُ مِن فرحٍ يخدمُ ويهبُ فرحَهُ لمَن يلتقيه. يبادرُ فيغفرُ الخطايا ويشفي المرضى ويقيمُ الموتى. مِن أجلِ برِّهِ رضيَ الآبُ عنَّا. فيهِ سُرَّ الآبُ بِنا. وبعدَ أن صعدَ إلى السماءِ مُنتصرًا، أرسلَ روحَهُ المُعزيِّ، يُذكِّرُنا بفرحِهِ حتَّى انقضاءِ الدهور.
بيسوعَ دخلَ الفرحُ إلى العالمِ وصارَ لنا جميعًا. يبقى أن نقبلَهُ. لا يُدعى مسيحيًّا مَن لا يَفرَح، لأنَّ المسيحيّينَ هُم مَن يقبلونَ يسوعَ، هُم جماعةُ الفرحين المُعيِّدين. فلنتشجَعْ ونقمْ لاستقبالِ مَن أتى إلينا، لنبتهِجْ ونفرَحْ بخلاصِه، فنُثمِرَ طاعةً للهِ وخدمةً لشعبِهِ.
اترك تعليقًا