ألمُ الرضيعِ وفرحُهُ

يغيبُ عنِ المُتأمِّلِ في سرِّ التجسُّدِ أنَّ المسيحَ تألَّمَ ليلةَ ميلادِهِ بينَنا. فابنُ اللهِ كليُّ القدرةِ صارَ جسدًا ضعيفًا يحتاجُ مُرضعًا ومُحاميًا. غيرُ المحدودِ الَّذي بهِ كانَ كُلُّ شيءٍ صارَ محدودًا في جسمٍ خاضعٍ لقوانينِ الطبيعةِ. الأزليُّ الَّذي بِهِ ابتدأَ الزمنُ صارَ جُزءًا مِن التاريخِ. مُعطي الحياةِ الَّذي بهِ كُنَّا صارَ قابلًا للموتِ.

تألَّمَ الرضيعُ في مذودِهِ تلكَ الليلةِ. في الحقيقةِ، ابتدأَ دربُ جلجلتِهِ منذُ دخولِهِ العالَم. هو طريقٌ واحدٌ، اختارهُ طوعًا، يُفضي بِهِ إلى الصليبِ. غالبًا ما يصعبُ علينا أن نلحظَ علاماتَ الألمِ لاختفائِها خلفَ الفرحِ الجليِّ. كم كانَ فرحُ المولودِ عظيمًا! بدا في نشيدِ الملائكةِ الُمسبِّحةِ في العُلى[1]، وفي بهجةِ الرُعاةِ[2]، وفي سجودِ المجوسِ[3]. فرِحَ الكونُ حينها لفرحِ الابنِ.

وفرحُ الابنِ مصدَرُهُ اثنان: الطاعةُ للآبِ، والولادةُ بينَنا، نحنُ مَن يُحبّ. هذانِ هما مصدرا تعزيتِهِ قبلَ الصليبِ أيضًا. ففي بُستانِ الزيتونِ، امتزجَ حزنُهُ بِفرحِ الطاعةِ إذ قالَ للآبِ: “لا مشيئَتي، بل مشيئَتُكَ”[4]. وفي العشاءِ السريِّ، امتزجَ قَلَقُهُ بفرحِ التسامُرِ معَ أحبَّائِهِ إذ قالَ لَهُم: “إشتهيتُ شهوةً شديدةً أن آكلَ هذا الفصحَ معكُم”[5].

أمَّا نحنُ فنتألَّمُ. لا مهربَ مِمَّا هو متأصِّلٌ في اختبارِنا البشريِّ. عبثًا نحاولُ التلهيَّ عَنهُ في الاستسلامِ للعالمِ وأشياءِهِ. لكنَّ المواجهةَ آتيةٌ لا محال. عندئذٍ، الغلبةُ مُمكنةٌ فقط في المسيحِ وفي الفرحِ الَّذي يُعطيهِ لمَن يٌطيعُ الآبَ ويُحبُّ قَريبَهُ.

أيُّها المتألِّمونَ، اقتدوا بالمسيحِ طاعةً وحبًّا، فتفرحوا!


[1] لوقا 2، 14

[2] لوقا 2، 20

[3] متّى 2، 10

[4] متّى 26، 39: مرقس 14، 36؛ لوقا 22، 42

[5] لوقا 22، 15

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑