حجارةٌ تتألَّمُ فتفرَح

يثبتُ المبنيُّ على الصخرِ ويُسقِطُ الدهرُ ما يُبنى على الرمال. هذا ما يُعلِّمُهُ يسوعُ لتلاميذِهِ1، قبلَ أن يُعلنَ سمعانَ بُطرُسًا ويجعلَ منهُ للكنيسةِ أساسًا2. وفي قولِ يسوعَ أنَّ “صخرًا” أساسُ الكنيسةِ تأكيدُ ما لا شكَّ فيهِ، أنَّ الكنيسةَ ثابةٌ أبدًا.

غالبًا ما يغيبُ عنِ المُتأمِّلِ في قولِ الربِّ تفصيلٌ مهمٌّ: البناءُ على الصخرِ مُستحيل! يتطلَّبُ الإنجازُ أن يُعالجَ الصخرُ أوَّلًا، أن يُزالَ بعضَهُ حتَّى يستقيم، أن يُنحَتَ فيهِ مكانُ البناءِ، أن تُقلَّمَ بعضُ أطرافِهِ وتُبرَد. وهذا لا يكفي. على البنَّاءِ أن يُعالجَ الحِجارةَ أيضًا. لا بُدَّ لها مِن أن ترضخَ لقسوِ الإزميلِ ليؤَهِّلها للرصفِ فوقَ الصخرِ المُهذَّبِ، فتُكوِّنَ بناءً دائمًا.

والحالُ أنَّ الربَّ الَّذي صيَّرَ سمعانُ بُطرُسًا لم يتوانى أبدًا عن تقويمِهِ وتأديبِهِ. أنَّبَهُ لقِلَّةِ إيمانِهِ لمَّا انتشَلَهُ من مياهِ طبريَّا3. وما هي خمسُ آياتٍ بعدَ إعلانِهِ أساسًا حتَّى انتهَرَهُ واصفًا إيَّاهُ بالشيطان4. بعدَ القيامةِ، أعادَهُ راعيًا على رأسِ القطيعِ غافرًا لهُ نُكرانَهُ5.  ثُمَّ وبَّخَه لاهتمامِهِ بشأنِ مصيرِ التلميذِ الحبيب، مُجدِّدًا دعوَتَهُ: “أمَّا أنتَ فاتبَعني”6. لا يخلو كتابُ الأعمالِ مِن التأديباتِ أيضًا. قادَ الرَّبُّ بُطرُسَ في امتحاناتِ الكنيسةِ الأولى، موحيًا إليهِ ضرورَةَ انفتاحِ العملِ التبشيريِّ على الأُمَمِ7. وفي استشهادِ بُطرُسَ اكتمالُ تهذيبِ الصخرِ وتمتينِهِ أساسًا صلبًا للكنيسة.

أمَّا نحنُ، حجارةُ الكنيسةِ الحيَّةِ8، فلا بُدَّ لنا أن نُعالجَ أيضًا. وها الربُّ يُهذِّبُنا متى شِئنا أن نُرصَفَ بيتًا لهُ. أخشى ألَّا سبيلَ للانتماءِ للبناءِ إلَّا هذا: الألم. ما أشدَّ الآلام الَّتي تُسبِّبُها طرقاتُ إزميلِهِ!

لا نجزعَنَّ لأنَّ الربَّ يمنحُ في وسطِ الألمِ تعزيتَين. الأولى، لمسَتُهُ. فمعَ كُلِّ ضربةٍ توجِعُنا، لمسةُ يدٍ تُخفِّفُ عنَّا. كم ترتاحُ النفسُ المُدرِكةُ أنَّها في يدِ النَّحاتِ الإلهيِّ. أمَّا التعزيةُ الثانيةُ فتأتي مِنَ الحجارةِ الأُخرى. ما أعظَمَهُ بنَّاءً حكيمًا يرصُفُنا بعنايةٍ الواحدَ جنبَ الآخرِ، فنتَّكئُ إلى من جُعِلوا حَولنا.

وبعدَ ألمِ التهذيبِ، عندَ ساعةِ الاكتمالِ، يكونُ الفرَح. ليسَ فرحٌ أعظَمَ مِن الانتماءِ للكنيسةِ ورؤَيتِها بيتًا ثابتًا مُتماسِكًا يليقُ بالربّ.  

  1. مت 7، 24-27 ↩︎
  2. مت 16، 18 ↩︎
  3. مت 14، 31 ↩︎
  4. مت 16، 23 ↩︎
  5. يو 21، 15-19 ↩︎
  6. يو 21، 22 ↩︎
  7. أع 10 ↩︎
  8. 1 بط 2، 5 ↩︎

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑