الظاهرُ والباطن

الويلُ لمَن استوجبَ الويلَ مِن فمِ يسوعَ بالذَّات! الويلُ للفرِّيسيِّينَ الملعونينَ لأنَّ نفوسَهُم مُنقسِمةٌ بينَ ظاهرٍ طاهرٍ يدَّعونَهُ أمامَ الناسِ وباطنٍ يَخفونَهُ امتلأَ رياءً وإثمًا. يُطهِّرونَ ظاهرَ الكأسِ والصَّحنِ وداخلُهُما ممتلئٌ مِن حصيلةِ النهبِ والطَّمعِ. يُشبهونَ القبورَ المُكلَّسةَ، ظاهرُها جميلٌ وأمَّا داخِلُها فممتلئٌ مِن عظامِ الموتى وكُلِّ نجاسةٍ[1]. الويلُ لمَن شابهَهُم وانشطرَ نصفَينِ بينَ باطنٍ يُكتَمُ وظاهرٍ يُعلَنُ! الويلُ لهم ولمَن شابهَهُم، لأنَّهُم مائتونَ ويُميتونَ! يسوِّدونَ وجوهَ مَن خالفَهُم مِن أجلِ تَبييضِ وجوهِهم، ويُميتونَ البارَ لألَّا يفضحَ موتَ نفوسِهِم وفسادَها.

استمر في القراءة “الظاهرُ والباطن”

قامَ مِن بينِ الأموات

فدانا بموتِهِ فأحيانا (3)

غلبَ سيِّدُ الحياةِ الموتَ وسيِّدَهُ، وأقامَهُ الآبُ بقوَّةِ الروحِ القدسِ مِن أعماقِ الجحيم. بعدَ أن اشتركَ الابنُ بآلامِنا وموتِنا، أقامَهُ الآبُ ليُقيمَنا معَهُ للحياةِ الأبديَّةِ الَّتي لا تزول. كسَّرَ الربُّ أبوابَ العالمِ السُفليِّ، حطَّمَ سلاسلَ الخطيئةِ وأغلالَها، أزلَّ الشرِّيرَ السجَّانَ وقيَّدَهُ، فصارَ الخلاصُ التَّامُ للجميع. فلا يتسلَّطنَّ الموتُ بعدَ الآنِ على الإنسانِ ولا يحبِسنَّهُ بجوفِهِ، لأنَّ المسيحَ الربَّ شاركَنا بآلامِنا وموتِنا ليُشرِكنا بحياتِهِ. ماتَ معَنا لنقومَ معَه.

استمر في القراءة “قامَ مِن بينِ الأموات”

نزلَ إلى الجحيم

فدانا بموتِهِ فأحيانا (2)

ماتَ ابنُ اللهِ ونزلَ إلى الجحيمِ مُعانِقًا كلَّ موتِ الإنسانِ وموتَ كلِّ إنسان. نزلَ ليَقضيَ على الموتِ في معركةٍ أخيرةٍ في عقرِ دارِه. كانَ لا بُدَّ أن يُبيدَ الموتَ وينزعَهُ مِن جذورِهِ، فاستأصلَ هُناكَ الخطيئةَ الَّتي أدخلَتِ الموتَ إلى العالمِ، وغلبَ الشرِّيرَ الَّذي أغوى الإنسانَ وأبعدَهُ عن (شجرةِ) الحياة. نازلَ أميرُ النورِ أميرَ الظلامِ وغلبَهُ مُعلنًا نصرَهُ النهائيّ. نزلَ في الموتِ، غلبَهُ والشيطانَ، ورفعَنا إلى الحياة. استمر في القراءة “نزلَ إلى الجحيم”

ماتَ ابنُ الله

فدانا بموتِهِ فأحيانا (1)

حيٌّ هو الله. لو لَم يكُن حيًّا لما كانَ الله. وحياةُ “اللهِ-الحياةِ” أبديَّةٌ، لا موتَ فيها كما حياتُنا. لا نعجبُ إن قيلَ في أحدِهِم أنَّهُ تألَّمَ وماتَ وقُبرَ، لأنَّ حياةَ الإنسانِ ألمٌ ينتهي بالموتِ الأكيد. لكنَّ العقلَ يحارُ بسرِّ ابنِ اللهِ الحيِّ، الَّذي تألَّمَ وماتَ وقُبر.

استمر في القراءة “ماتَ ابنُ الله”

فاتحُ الجحيمِ

بايعوا الملوكَ والسلاطينَ والحُكَّامَ ووضعوا فيهِم آمالَهُم. مِنهم مَن حكَمَ عقودًا، عَظُمَ، انتَفَخَ، ظنَّ أنَّهُ يؤلِّف. مِنهمُ مَن فتَحَ واحتلَّ وتوسَّعَ، وحصَّنَ مُلكَهُ أمامَ أعدائِهِ، ولَم يهنأ، لا هو ولا شعبُهُ، ولو بيومِ سلامٍ وسكونِ بالٍ واحدٍ، حتَّى أتى يومُ سقوطِهِ العظيم. أحكَمُهُم، أكبَرُهُم، أعظمُهُم، أكثَرَهُم بطشًا، احتلَّ نصفَ الأرضِ، وبقيَ نصفُها الآخرُ عصيًّا عليه، ثُمَّ ماتَ واندثرَت مَعَهُ أحلامُ أتباعِه. استمر في القراءة “فاتحُ الجحيمِ”

هاءَنَذا أصنعُ كُلَّ شيءٍ جديدًا

نحتاجُ إلى أشياءَ جديدة. إلى عالمٍ جديدٍ أكثَرَ فرحًا، أكثَرَ سلامًا، لا موتَ فيهِ ولا حروب. نحتاجُ إلى إنسانٍ جديدٍ، أكثَرَ حُبًّا للهِ وللقريب، وأكثَرَ انسجامًا معَ الأرضِ وما فيها. نحتاجُ إلى أن يصيرَ كُلٌّ منّا إنسانًا جديدًا، أن يولَدَ من جديد، ويَحلُمَ أحلامًا جديدة، فيسيرَ في دروبٍ أُخرى نحوَ أشياءَ أخرى، نحوَ تعزياتٍ أكبَر، نحوَ أفراحٍ أكبَر، نحوَ حياةٍ أفضَل. استمر في القراءة “هاءَنَذا أصنعُ كُلَّ شيءٍ جديدًا”

الجهادُ الرّوحي

أن يتحدّى أحدُهُم نفسَهُ ويواجهَ العالَم: هكذا أرى الحياةَ مع المسيح. فلا مسيرة جديّة معَهُ مِن دونِ جهادٍ يوميٍّ، ومِن دونِ سعيٍ دائمٍ، بشتّى الطُرُق، لبلوغِ ملكوتِ السماوات، لأنّ البابَ المُفضي إليه ضيّقٌ جدًّا، وطريقُهُ مُكرِبٌ، وقليلونَ هُم مَن يجدون ويجُدّون (مت 7، 14)، ولأنَّ مَلكوتَ السماوات يُغتَصَبُ اغتصابًا (مت 11، 12).

استمر في القراءة “الجهادُ الرّوحي”

إنتصرنا على الإرهاب

سُحقَت رأسُ الأفعى برِجلِ رضيعٍ، أُخزيَ الموتُ وسلطانُهُ بميلادِ وضيعٍ متواضعٍ في إسطبلٍ حقير. اليومَ ماتَ الإرهابُ وانتهى، فهل نخافُهُ؟ بهِ يستهزئُ السيّدُ الإله الجالسُ على العرشِ. ماذا يفصُلنا عنهُ بعدُ؟ أتهديدٌ أم ترحيلٌ؟ ماذا ينزعُ اسمُهُ عنّا بعدُ؟ أخِططٌ غربيّة أم بربريةٌ عربيّة؟ لا شيء، ولا أيُّ شيءٍ، لأنَّهُ وُلِدَ. استمر في القراءة “إنتصرنا على الإرهاب”

الدفن الساعة ثلاثة

يبدو لي أنّ أزمات عالمنا المُعاصر تنبعُ من رفض الإنسان لحقيقة الموت. فالإنسان اليوم في سعيٍ دائمٍ، وإن لا إراديّ، للتنكُّر لما ينتظرُهُ يومًا ما، ليحصدَ روحه. وبعضنا يتجاسرُ في حربٍ إراديّة على الموت، يحاول فيها بشتّى الطرق أن يتفاداه، إمّا بالتوكّل على العلم، أو المال، أو السلطة، أو الدّين، فتصير كلّها، أسلحةَ دفاعٍ ضعيفة نتستّر خلفها، كطفلٍ يحتمي بشرشف سريره من عبثيّة القذائف. 

لا للموت

يأتي الفكر الرأسمالي الحرّ كتتويجٍ لفلسفة رفض الموت، إذ يعطي الحقّ للفرد بالتسلّط على العدد الأكبر من الممتلكات، علّه يشتري لنفسه سنوات يضيفُها إلى عمره. وإن ماتَ، فثروتُهُ لن تموت، فتؤمّن لاسمه الاستمرار بعد غيابه. وكأنّ للمال الخلود وللنفس الفناء. تلك الرغبةُ الجامحة بجمعِ الثروات تُسقِطُ الإنسان بجشعٍ، باتَ المسؤول الأوّل عن الحروب والمجاعات واللّا عدالة، والتلوّث، والفساد، والانحرافات الأخلاقيّة. بتعبيرٍ آخر، صارت الرغبة بعدم الموت سببُ موت الكثيرين.

حتّى التَديُّن المُفرط ينبع أحيانًا من خوفٍ من النهاية وليس من حبٍّ صادقٍ لله. فترى الكثيرين ينتهجون الإدمان على الدّين، علّهم يشترون العمر المديد ويتجنّبون الموت المفاجئ. أو يبحثون في الدّين عن أملٍ في حياةٍ ثانية، فلا تغفلُ أيّ ديانةٍ معروفةٍ عن تقديم فلسفةٍ للحياة بعد الموت، تقدّم فيها للمعتقدين بها ما يبحثون عنه من إجابات.

في النهاية، حربُنا على الموت باطلة. أموالنا وسياساتنا، أشياؤنا ونفوذنا، كلّها باطلة. لأنّ كلّ ما هو تحت الشمس باطل. فمهما عظُم شأن الإنسان، يتساوى أمام الموت مع الجميع. مهما هرب من الموت، سيدخلُ النعشَ يومًا، ويُكتبُ فيه الرثاء، وتعلّق نعواه في الطرقات. كائنٌ من كان، “الدفن الساعة ثلاثة”.

نعم للموت

قد يكونُ المقطع الأوّل مُحبطًا بعض الشيء. لكن لا بدّ للإنسان أن يُدركَ حدوده، ولا بدّ للواقع أن يجد سبيله إلى منطقنا. أن يكون الموت أمامنا في كلّ حين، يساعدُنا على اكتشاف معنىً للحياة الحقّة. فإذا رأيتَ الموتَ يُدركُكَ، تَرَكَتكَ الحياةُ تُدركها.

إن لم يكُن للأشياء نهاية، لما حَمَلَتْ أيّ معنى. فهذا الأخير يتجلّى في النهايات. فلن نسمح بعد اليوم لعالمٍ فاسدٍ أن يغرينا بالخلود، فلا يسمح لنا أن نحيا الحياة بملئها. لن نسمحَ لهُ أن يغرينا بكلّ شيء، لكي يُفقدَنا كلّ شيء. ليس الموتُ نقيض الحياة، بل ملئَها.

وإن تديّنا فلن يكون ذلك خوفًا من الموت، بل قبولًا له. لن يكون خوفًا من نهايةٍ وراء النهاية، بل عشقًا لإلهٍ يتجلّى في تفاصيل الحياة اليوميّة.

فلنمُت كما يجب

سنموت حتمًا، فلنمُت كما يجب. كلّ شيءٍ في عالمنا خاضعٌ للتغيّرات، وحده الموت ثابت. كلّه افتراضات، وحده الموت أكيد. لأنّه يأتي لا محال. كان لا بدّ لي أن أذكّركم اليوم، علّنا نُضيفُ بعض الحياة لأيّامنا، لعائلاتنا، لوطننا. علّنا لا نعيش من قلّة الموت. الحياةُ مبدأُ الموت، والموت صيرورة الحياة.

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑