كانَ عزاءٌ بينَنا

لنا في الحياةِ اسمان، ظاهرٌ نُسمَّى بِهِ وخفيٌّ نَقبَلُهُ مِنَ الله. الأوَّلُ فيهِ بعضُ العبوديّة. يختارونَهُ لنا مِن دونِ استشارتِنا ويحمِّلُونَ حروفَهُ أمانيهِم. يُشبِهُهم أكثَرَ ما يُشبِهُنا. أمَّا الثاني، فهو المساحةُ الّتي نُمارِسُ فيها الحريّة. عطيّةُ اللهِ هو كما الحريّة. نختارُهُ، فنصيرَهُ. لكثرةِ ما نُمارِسِهُ نصيرُهُ.

يومَ نرحَلُ، ترحلُ الأسماءُ الأولى معنا. هشَّةٌ هي ودهريّة. قَد تصمُدُ أجيالًا قبلَ أن يقسوَ عليها التاريخُ المُستَبِدُّ، فتتبدَّد. قَد تُكتَبُ ملايينَ المرّاتِ، في وريقاتِ كِتابٍ، بينَ إزميلٍ وصخرٍ، في هامشِ بعضِ الذكريات. لَن يُنقذها التكرارُ أبدًا مِن حتميةِ زوالِ المادّة. أمَّا الأسماءُ الثانيةُ فأزليّة. مِنَ اللهِ هي. موهِبَةٌ نقبَلُها، بحريّةٍ نقبَلُها، فتُدَوَّنُ في سفرِ الحياة. أن نكونَ ذا اسمانِ رجاءٌ وعزاء.

عرَفناهُ بيننا اسقفًا حرًّا اختارَ اسمَهُ “عزاء”. بقي اسمُهُ خفيًّا عنَّا. ما قالَهُ لأحدٍ يوما. كانَ هو اسمَهُ، حتّى النفسِ الأخير، يصيرُهُ بيننا، حتّى بلغَ كمالَهُ، فرَحَل.

رحلَ عنَّا وانكشَفَ لنا سِرُّ اسمِهِ، وفهِمنا. فَهِمنا مرَّةً أُخرى، أنَّ اللهَ مُحبٌّ يُعطي كنيسَتَهُ مَن تحتاجُ في حينِها. شاءَ اللهُ أن يَعضُدنا في زمنِ محنتنا هذا. أرسلَ لنا “عزاء”. وديعٌ مُحبٌّ قَبِلَ اسمَهُ. ليسَ مِن أجلِهِ، بل حُبًّا بالله قَبِلَهُ، وخيرًا للكنيسةِ قَبِلَه. فسُدَ الكثيرونَ في الكنيسةِ، أمَّا هو النظيفُ فعزاء. مُصلحٌ شُجاعٌ لكثرةِ حكمتِهِ لا يخافُ إلّا الله. لا عيبَ فيهِ يُخيفُهُ مِن بشرٍ. روحانيّتُهُ نقيّةٌ، شفَّافٌ، مُدبِّرٌ مُحترِفٌ، للهِ المُعزّي رجُلٌ وللكنيسةِ عزاء.

رحَلَ عنَّا وانكَشَفَ لنا سرُّ اسمِهِ، وفهمنا. فسَّرَ لنا اسمُهُ كُلَّ ما قالَ وفعَل. فسَّرَ لنا اسمُهُ كُلَّ ابتسامةٍ، وكُلَّ لقاءٍ، وكُلَّ تدبيرٍ، استحسنّاهُ في حينِهِ أم استغربناه. فسَّرَ اسمُهُ لي أنا لماذا عايشتُهُ. أليسَ لأنَّني افتقرتُ أنا أيضًا لعزاء؟ فسَّرَ لي كُلَّ تشجيعٍ وكُلَّ نصحٍ. حتَّى التأنيبَ فسَّرَهُ. لا يخفى بعدُ على أحدٍ أنَّ بعضيَ منهُ. جمُيعنا، مَن التقيناهُ، بِعضُنا مِن ذاكَ الرجُلِ المعطاء.

رحَلَ عنَّا الأسقفُ وانكَشَفَ لنا سرُّ اسمِهِ، وفهمنا. كانَ اسمُهُ الدهريُّ “كميل” واسمُهُ الأبديُّ “عزاء”.

رأي واحد حول “كانَ عزاءٌ بينَنا

اضافة لك

  1. رائع ما قد كتبت أبتي إنّ مثله لا يرحلون بل يبقوَن ساكنين بين جدار الأروقة بين أغصان الشجر ويبقى صوثهم مسموعاً بين حفيف أوراق الشجر ومع زقزقة العصافير والأهم مع صوت الضمير. رحم الله أبانا الجليل مثلث الرحمات سيدنا كميل زيدان.

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: