هُوِّيةُ الإنسانِ مُعقَّدةُ التركيبِ. إلَّا أنَّ اسمَهُ يرتبطُ بجميعِ عناصِرِها. فتتماهى بشكلٍ أو بآخرٍ هُويَّةُ الإنسانِ مع اسمِهِ. فإذا ذكرنا اسمَ أحدِهِم، حضَرَت إلى أذهانِنا صورَتُهُ، والمشاعرُ الَّتي نشعُرُها لحضورِهِ، وتاريخُنا مَعَهُ. جميعُ العناصِرِ المُعقَّدَةِ تجتمِعُ في كلمةٍ بسيطةٍ، تُلَخِّصُ بحروفِها شخصًا، أو ما نعرِفُهُ عنهُ وما يجمعُنا بِهِ. فيُمكِنُنا القولُ مُبالغةً أنَّ الإنسانَ يحملُ اسمَهُ واسمُهُ يحمِلُهُ.
من هنا يكونُ أنَّ مَن يُسمِّي مولودًا يُعطيهِ ما سيختَصِرُ لاحقًا هُويَّتَهُ، ويَمنَحُهُ معَهُ أن يكونَ مُنادًى، مُخاطبًا، “مدعوًّا”. غالبًا ما يعكِسُ الاسمُ المُختارُ رغبةَ المُسَمِّي وإرادَتَهُ للمُسمَّى. فإذا أسماهُ مثلًا اسمَ أحدِ أسلافِهِ، تمنَّاهُ على صورَتِهِ أو أرادَهُ امتدادًا لتاريخِهِ. أمَّا بينَ المسيحيّينَ فدرَجتِ العادةُ أن يحملوا أسماءَ القدِّيسينَ، طلبًا لشفاعتِهِم، ورغبةً بالتشبُّهِ بِهِم.
في الكتابِ المُقدَّس من أتَت أسماؤُهم لا مِن بشرٍ بل مِن الله. ما كانَت حياتُهُم إرضاءً لرغباتِ الناسِ، بل استجابةً لدعوةِ الخالِقِ وتحقيقًا لمشيئَتِهِ. بعضُهُم بدَّلَ اللهُ أسماءَهُم، مثلَ أبرامُ الَّذي صارَ إبراهيمَ ويعقوبُ الَّذي صارَ إسرائيلَ، شهادةً على لقائِهِم بِهِ واختصارًا للرسالةِ الَّتي حملوها إلى شعبِهِ. وبَعضُهُم الآخرُ مَن أسماهُم اللهُ مُنذُ ولادَتِهِم، أو حتَّى قَبلَها، مثلَ إسحَقَ، وصموئيلَ، ويوحنَّا وآخرين. أسماؤُهُم الَّتي يُدعَونَ بها هي دعوَتُهُم[1]. في العهدِ الجديدِ، بدَّلَ يسوعُ أيضًا اسمَ سمعانَ إلى بُطرُسَ جاعلًا مَنُه الصخرَ الَّذي يبني عليهِ كنيسَتَه.
يسوعُ، ابنُ اللهِ، جاءَ اسمُهُ مِن عَلُ، لأنَّ الَّذي وَلَدَهُ مُنذُ الأزَلِ مُساويًا لهُ في الجوهَر، هو الَّذي أرسَلَهُ. صارَ إنسانًا ذا اسمٍ، وسَكَن بينَنا، فعرفناهُ. أعطى الملاكُ اسَمَه ليوسُفَ إذ بانَ لهُ في الحُلمِ (مت 1، 21). ولمَّا حانَ موعِدُ ختانةِ الطِفلِ الإلهيِّ، في اليومِ الثامِنِ بعدَ الميلاد، أسماهُ يوسُفُ “يسوعَ” كما أمَرَهُ الملاكُ (لو 1، 21).
واسمُ يسوعَ كشفٌ لهُويَّتِهِ، أي إنَّ اسمَهُ يكشِفُ لنا الله. والحقَّ أنَّ الكشفَ الإلهيَّ والخلاصَ واحدان، أي إنَّ الخلاصَ كشفٌ والكشفَ خلاصٌ. إسمُ يسوعَ أتى مِن اللُغةِ الآراميّة، لُغةِ الشعبِ الَّذي اختارَهُ اللهُ وأعدَّهُ لاستقبالِهِ، وهو يعني “الله يُخلِّص”. والأصحُّ، بحسبِ عُلماء اللُغةِ، أن يُقالَ “اللهُ خَلِّصْ!”، لأنَّ فِعلَ الخلاصِ ورَدَ بصيغةِ الأمرِ. فيكونُ أنَّ ذِكرَ اسمِ يسوعَ أمرٌ بالتَخليص، وكأنَّهُ صلاةُ المؤمِنِ الأكمَل. فإذا كانَت الصلاةُ لقاءَ اللهِ بالإنسانِ، فباسمِ يسوعَ تلتَقي رغبةُ اللهِ بخلاصِ الإنسانِ ورغبةُ الإنسانِ الصادقةِ بقبولِ الخلاص. إسمُ يسوعَ كشفٌ لهُويَّةِ المسيحِ المُخلِّص الوحيد، وخلاصٌ مُعطى للَّذينَ يؤمنونَ بِهِ ويدعونَهُ.
لذلكَ، يفوقُ اسمُ يسوعَ الَّذي وهَبَهُ إيَّاهُ الآبُ جميعَ الأسماء (فيل 2، 9). باسمِهِ تتحقَّقُ الآياتُ (مر 16، 17)، ويُشفى المرضى (أع 3، 6)، وتُطرَدُ الشياطينُ (مر 9، 38). إسمُهُ خلاصٌ وغُفرانٌ وحياةٌ أبديَّة[2]، ومَن يدعو بهِ يخلُص (يوء 3، 5؛ أع 2، 21).
إسمُ يسوعَ، كلمةٌ واحدةٌ، صلاةُ الإنسانِ الأكمَل. أتتعبُ ألسنَتُنا مِن تردادِه؟
[1] بكلماتٍ أُخرى أكثَرَ تعقيدًا: إنَّ دعوَتَهُم دعوَتُهُم.
[2] يو 3، 18؛ أع 4، 12؛ 1 كور 6، 11؛ 1 يو 2، 12؛ 1 يو 5، 13.
اترك تعليقًا