أخبَرَني أحدُهُم مُنذُ فترةٍ كَم فَرِحَ لأنّهُ قامَ بمبادرةٍ سلاميّةٍ وأصلحَ بينَ مُتخاصمَين. في الواقعِ، يَحتاجُ عالمُنا المليءُ بالخصوماتِ الكثيرَ مِن فعَلَةِ السلامِ. هؤلاء يُفرِحونَ ويَفرحونَ، لأنَّ السلامَ يعودُ بالفرحِ على فاعِلِهِ أيضًا. طوَّبَهُم يسوعُ في بدايةِ عِظَتِهِ على الجبلِ إذ قالَ: “طوبى لفاعلي السلامِ، فإنَّهُم أبناءَ اللهِ يُدعَون” (متّى 5، 9).
فاعلو السلام
قَبلَ المسيح، لَم يكُن السلامُ مُمكِنًا لأنَّ الإنسانَ لَم يكُنْ قد تصالحَ بعدُ معَ اللهِ. بالمسيحِ دَخَل السلامُ إلى العالَمِ. هو سلامُنا الّذي سَكَنَ بيننا، فأصلَحَ بينَنا وبينَ الآبِ بتجسُّدِهِ وموتِهِ وقيامَتِهِ، وجمَعَنا لهُ شعبًا واحدًا.
وإن قامَت في الناسِ الخصومات، فلأنَّ الكثيرينَ ما قَبِلوا السلامَ. لَم يَفرِض يسوعُ سلامَهُ، لأنَّ السلامَ بالسلامِ يُعطى. رَفَضَهُ الكثيرونَ لتشَبُّثِهِم بكبريائِهِم، وقبِلَهُ بعضُنا راضينَ أن يصيروا لهُ أداةً. فاعلو السلامِ هؤلاءِ لا يأتونَ بالسلامِ مِن لدُنِهِم. هُم قبِلوهُ مِن الابنِ وراحوا ينشُرونَهُ حيثُما حلّوا. السلامُ فاعِلُهُم، وهُم فاعلوهُ على قدرِ ما سمحوا أن يفعَلَ بِهِم.
أبناءَ الله يُدعَون
جميعُنا دعانا الآبُ أبناءً لهُ بيسوعَ المسيح، الإبنِ الوحيد، الّذي أعادَنا بخلاصِهِ إلى الميراثِ الأوَّل، وجعَلَنا أبناءً للآبِ بالتبنّي. إنَّهُ السلامُ الآتي إلى العالَمِ ليؤهِّلنا لأن نُدعى أبناءَ. أمّا فعلةُ السلام، الّذينَ يقبلونَ المُصالحَةَ مَع الآبِ إيمانًا وأعمالا، فيقبَلونَ عطيَّةَ البنوَّةِ المُعدَّةِ لنا مجَّانًا. وقابلو البنوّةِ فاعلو سلامٍ، لأنَّ مَن اختَبَرَ فرَحَ المُصالحةِ معَ اللهِ أرادَهُ للجميع.
حتّى أنَّ الناسَ الّذينَ يلتقونَ فاعلي السلامِ يدعونَهُم أبناءَ اللهِ. لأنَّهُ يُعرَفُ الإنسانُ مِن ثمارِهِ. ومِن أعمالِهِ يُعرَفُ أيضًا أبوهُ. فإذا كانَت أعمالُهُ كَذِبًا وشرًّا وتَقسيما، كانَ ابنَ أبي الكذّابينَ الشرّيرِ المُقسِّمِ. أمَّا إذا كانَت أعمالُهُ حقًّا وبِرًّا وسلاما، كان ابنَ إلهَ الحقِّ والصلاحِ والسلامِ. فَالطوبى لفاعِلِ السلامِ لأنَّهُ ليسَ لأحدٍ فرحٌ أعظَمَ مِن هذا: أن يُدعى ابنًا لله.
إنَّ العالَمَ لا يحتاجُ سلامًا كما نظُنُّ، لأنَّ السلامَ الحقيقيَّ أتانا، بل يحتاجُ إلى فعلةِ سلامٍ. كُلُّنا مدعوّونَ لنكونَ في عدادِهِم، لأنّنا نِلنا جميعُنا المُصالحةَ معَ الآبِ بيسوعَ المَسيح. مَن قال في نفسِهِ أنَّهُ مسيحيٌّ لا يُمكِنُهُ أن ينأى بنفسِهِ عَن أزماتِ العالمِ، لأنَّ ابنَ إلهِ السلامِ يعملُ أعمالَ السلامِ. جميعُنا مُحاطونَ بالنزاعاتِ والخصومات، فلا نخافنَّ مِن المُبادراتِ حيثُما حلَلنا، جاعلينَ مِن أنفُسنا أداةً للسلامِ، واثقينَ أنَّهُ يعودُ بالفرحِ على فاعِلِهِ أيضًا.
اترك تعليقًا