علَّمَتني مريمُ أن أفرحَ، وأنَّ الفرحَ يكونُ في خدمةِ الآخرين. فالَّتي جعلَها ابنُ اللهِ أمَّ جميعِ البرايا، صيَّرها لنا الشفيعةَ والمثالَ، تتضرَّعُ مِن أجلِنا جميعًا، وتعلِّمُنا مِن خلالِ المثالِ الَّذي تقدِّمُهُ لنا.
كلماتُ مريمَ في الكتابِ المُقدَّسِ قليلة. في البدءِ، حاورتِ الملاكَ الَّذي جاءَها مُعلنًا مشيئةَ الآبِ بأن يَتَجَسَّدَ ابنُهُ مِنها مِن أجلِ خلاصِنا (لو 1، 26-38). وصلَّت بعدها بالروحِ القدسِ مُعظِّمةً الربَّ الَّذي صنعَ بها العظائم (لو 1، 46-50). كما كلَّمَت ابنَها يسوعَ مرَّتَين: في المرَّةِ الأولى، حينَ كانَ ابنَ اثنتَي عشرةَ سنةً، لتستفسرَ عَن سببِ بقائِهِ في أورشليمَ، بعدَ أن تألَّمت لفقدهِ (لو 2، 42-52)، وفي المرَّةِ الثانيةِ، لمَّا نفذَ خمرُ العرسِ في قانا، لتتضرَّعَ مُلتمسةً آية (يو 2، 1-11). لكنَّها لَم تخاطبنا نحنُ، مَن كانت منَّا وصارَت لنا أمًّا، إلَّا مرَّةً واحدةً، إذ كلَّمتِ الخدمَ الحاضرينَ في العرسِ وقالَت لهم: “إفعلوا ما يأمرُكم بِه” (يو 2، 5). وقد قالَ آباءُ الكنيسةِ في كلماتِ مريمَ هذهِ أنَّها أقصرُ العظاتِ في الكتابِ المقدَّس.
أمَّا هي فلطالما صنعَت ما علَّمتنا إيَّاهُ يومَذاك، وقبلَت بتواضعِها مشيئةَ اللهِ إذ فعلَت ما أمرَها بِهِ. جاءَها الأمرُ الأوَّلُ على لسانِ الملاكِ الَّذي أتاها مُبشِّرًا مُبادرًا بالتحيَّة: “إفرحي يا مريم!” (لو 1، 28). للحالِ، وافقَت مريمُ على حملِ ابنِ اللهِ في أحشائِها، وقامَت مُسرعةً إلى بيتِ نسيبتِها أليصاباتَ لتخدمَها (لو 1، 39)، لأنَّها عرفت أنَّ الفرحَ الَّذي يأمرُها بهِ الملاكُ يتحقَّقُ في خدمةِ الآخرين. أسرعَت مريمُ إلى بيتِ قريبتِها وملأتهُ فرحًا. رَقَصَ يومَها الجنينُ في بطنِ العجوزِ الَّتي كانت عاقرًا (لو 1، 41)، وابتهجَت مريمُ بروحِ مُخلِّصِها (لو 1، 47).
ونحنُ، على مثالِ مريمَ، مدعوُّونَ أيضًا إلى الفرَح. بل يأمرُنا الربُّ بهِ. هو عطيَّتُهُ المجَّانيَّة، يأمرُنا بِهِ لكثرةِ ما يُحبُّنا. أمَّا القبولُ فيكونُ بالعطاءِ، لأنَّ لا فرحَ أعظمَ مِن هذا، أن يكونَ الواحدُ مُعطيَ الفرحِ للآخرين.
علَّمتنا مريمُ الكثيرَ ولا تزالُ تُعلِّمُنا. بمثالِها علَّمتنا أن نفرحَ فرحًا حقيقيًّا غيرَ مُزيَّفٍ، يُقبلُ وينمو بالعطاءِ والخدمة. فلنفعلْ كما أوصتنا مريمُ، ولنقمْ للخدمةِ فرحين.
اترك تعليقًا