أعاصيرٌ وزلازلٌ تتسبّبُ بمقتَلِ الآلاف حولَ العالم. أمامَها يتساءَلُ الإنسانُ عن المُسبّب الّذي يقفُ خلفها: منهُم من يتّهِمُون الله، وآخرون يجرّمونَ الإنسانَ، والبعضُ يلقونَ الملامة على نظامِ الطبيعة. بالطبعِ، مَن يتألَّمُ جرّاءَ كارثةٍ أصابَتهُ لَن يَقتَنِعَ بالكامِل بأيِّ جوابٍ بشريٍّ قد يُقدَّم لهُ. وما أطرحُهُ في أسطري هذه، هو محاولة فكريّة لفهمِ الأزمة، تظلُّ ناقصة، ولا تحمِلُ جوابًا نهائيًّا يُروي قَلبَ الإنسان.
مسؤوليّة الله
كثيرونَ يُحمّلونَ الله مسؤوليّةَ ما يصيبُ البشريّة من نَكَبات. وقد ارتبطَت الزلازلُ والفيضانات مُنذُ القِدَم بغضبِ الآلهة، ورأت فيها الشعوبُ القديمةُ قصاصًا إلهيًّا لمن خالَفَ إرادَتَها. وفي العهدِ القديم دلالاتٌ على اعتقادِ شعبِ الله القديم أنّ الديّانَ يلجأُ إلى الكوارِثَ لتأديبِ البَشَر. كما ورَدَ في سفرِ العدَد، على سبيل المثال، قصّة بني قُورَح الّذين ازدرَوا بالربِّ، ففتَحَ تَحتَهُم الأرضَ، وابتلَعَتهُم هُم وبيوتهم (عدد 16، 30 – 34). والأغربُ أنّ بعض الُمتديّنينَ، إلى اليوم، يفرحونَ بما يصيبُ باقي الشعوبَ مِن مصائب. لذلِكَ ينسبونَ إلى اللهِ ما أرادوا إحلالَهُ بخصومِهِم، وفي ذلِكُ نوعٌ من استملاكٍ لله وحَصرِهِ بشعبٍ من دون سواه. وتلومُ شريحةٌ كبيرة اللهَ بشكلٍ غيرِ مُباشرٍ، إذ إنّهُ هو من خلَقَ الكونَ ونظّمهُ وكُلُّ ما يصيبُ المنظومة سبَبُهُ نقصٌ أو خللٌ ما في التنظيمِ.
كما يتساءَلُ كثيرون لما لا يردعُ اللهُ المُحبُّ الأزمات ويحمي البشريّةَ. فمَن لهُ القدرة على فعلِ كلِّ شيءٍ، لهُ القدرة على أن يوقِفَ جَورَ الطبيعة. العهدُ الجديدُ شاهدٌ على قُدرةِ يسوع ابنِ الله وسلطانِهِ على الخليقة. نراهُ يُهدّئ البحرَ، ويُسكِتُ العاصفة، ويمشي على الماء. ألا يُمكِنُهُ أن يمنَعَ الكوارِثَ الّتي تَحلُّ بنا اليوم؟
في الواقع، لا يُمكِنُ لأحدِهم أن يجزُمَ أنّ الله لا يمنع المصائب، لأنّ ما يمنَعُهُ الله لا نَرَاهُ نحن! أتذَكَّرُ هُنا ما قالهُ كاهنٌ لأبناء رعيّتِهِ الّذينَ أصابَ بلادَهُم فياضانٌ: “تتساءَلونَ لماذا فعَلَ إلَهُكم بكُم شرًّا، أمّا أنا فأتساءَلُ ما كانَ ليحُلَّ بنا لو لم يُنجِّنا من حجمِ الكارثة الحقيقيّ”. جوابٌ حكيمٌ وفيِهِ بعضٌ من الحقيقة.
مسؤوليّة الإنسان
أن نلومَ الخالقَ ونَعتَبِرُهُ المسؤولَ الأوّل فيهِ نوعٌ من التهرُّبِ من مسؤوليّاتِنا، لأنّ الإنسانَ هو المسؤول الأوّل عن الحروب الّتي تُدمِّرُ كوكبنا أكثَرَ من أيِّ كارثةٍ طبيعيّةٍ شهِدناها إلى اليوم. نذكُرُ أنَّ نشاط الإنسانِ غيرِ السليم، من تلويثٍ واستنزافٍ للموارِد الطبيعيّة، وَلَّدُ خللًا واضحًا بنظامِ الأرض.
إذن، أن نفهَمَ سبَبَ الكوارِثَ الحقيقيّ ونُحدّدهُ هو أمرٌ مُستحيلٌ يفوقُ إدراكَ الإنسان. لكنَّني أرى فيها فُرصةً تسمحُ له بأن يَصنَعَ الخير. فلا تغيبُ عنّا وصيَّة بطرُس في رسالتِهِ الأولى: “خَيرٌ لَكم أَن تَتأَلَّموا وأَنتُم تَعمَلونَ الخَيْر، إِن شاءَ اللهُ ذلك، مِن أَن تَتأَلَّموا وأَنتُم تَعمَلونَ الشَّرّ” (1 بط 3، 17). هذا ما حقّقهُ الآب السماوي: لم يشأ لموتِ ابنِهِ فوقَ الصليبِ أن يكونَ النهاية، بل جعَلَ منهُ حياةً لجميعِ من يؤمنونَ بهِ، إذ أقامَهُ من بين الأموات.
قد تكون الكوارثَ الطبيعيّة هي فُرصةً سانحةً أمامَ البشريّة للتقرُّبِ أكثَر من الله، ولبناءِ مُجتمعٍ أكثَرَ سلامًا. أمامَها، كما نُلاحظُ، يلجأُ الناسُ إلى الصّلاة، وتكتظُّ دور العبادة، لأنّها تولِّدُ في قلبِ الإنسان إدراكًا لضعفِهِ ومَحدوديّتِهِ وحاجتِهِ إلى إلَه. فتساؤل الإنسان عن دورِ الخالِقِ فيما يحصُل يُقرّبُهُ منهُ أكثر. ولا ننسَ المبادرات والحملات الّتي تقومُ بها الدُول والمؤسّسات والأفراد لإغاثة المُتضرّرينَ، وكأنّ الكارثة تُعلِّمُ البشريّة على الأخوّة وتُدرّبُها على العطاء.
إذا سمِعَ الإنسانُ نداءَ أخيهِ وسانَدَهُ بوجهِ غضبِ الطبيعة كان يدَ الله في العالَم. فأنا على يقينٍ أنّ الله يعملُ فينا إذا سَمَحنا لهُ بذلك. لا نقفنَّ حائرينَ أمام ما يحصُلُ في العالمِ من كوارث، فهي من شأنِها، إذا سمَحنا لها، أن تدفَعنا باتّجاهينِ متوازيَين: العودَة إلى الله ومساندة الآخرين.
اترك تعليقًا