إرتبطَ مفهومُ السلفيّةِ الإسلاميّةِ بالتيّارات المُعاصرةِ المُتشدِّدةِ والمُتطرِّفة، الّتي تُكفِّرُ مَن خالفَها وانتهجَ أسلوبَ عيشٍ مُغايرٍ. وأحداثُ العقودِ الأخيرة، جعَلت من السلفيّةِ مفهومًا سلبيًّا، وشوَّهَت الغايةَ الأساس مِنَ الدعوةِ إليها. والسلفيّةُ تقولُ باتّباعِ نهجِ الرسولِ وصحبِهِ، لأنّهُم “سَلَفُ” المُسلمينَ جميعًا. وبذلكَ تكونُ السلفيِّةُ أصلًا، نهجًا عامًّا لكلِّ المُسلمين. أمَّا اعتقادُ البعض أنَّ السلفيّةَ هي نهجٌ خاصٌ يسمحُ لمن تبنّاهُ بتكفيرِ وتَضليلِ الآخرين، فهو انحرافٌ بعيدٌ عن الإسلام.
أمّا العودة لِجذورِ الدّينِ، فَمِن شأنِها أن تحفظَهُ من الشوائبِ الّتي تُصيبُهُ بسببِ الحداثة، وهي، نوعًا ما، تَذكيرٌ بدعوتِهِ الأساسيّة. وقد يكونُ المثالُ المُسلِمُ قدوةً صالحةً أمام المسيحيّة، الّتي باتت بأمسِّ الحاجةِ للعودةِ إلى الجذور. فنفهمُ بالسلفيِّةِ المسيحيّة، إذا تجاسَرنا وتبنّينا التعبير، العودةَ إلى روحِ الإنجيل، والتمثُّل بحياةِ المسيح ورُسُلِهِ، وعيشِها في عالمِ اليوم.
والمجمعُ الفاتيكانيّ الثاني، الّذي شكّلَ نقطةَ تحوُّلٍ أساسيّةٍ في مسارِ تاريخِ الكنيسة، تَقِفُ خلفَهُ رغبةٌ سلفيّةٌ صالِحةٌ بالعودةِ إلى روحِ الإنجيل، بعيدًا عن التكفيرِ والتضليل، وطبعًا بعيدًا عن العصرنة والتَفَلُّت الناتج عَنِ الانجرارِ خَلفَها.
وكما يُسيءُ الكثيرُ مِنَ المُسلمينَ فهمَ السلفيّةِ وينحرِفونَ نحوَ التَشدُّد، كذلِكَ يغيبُ عن الكثيرِ مِنَ المسيحيّين المعنى الحقيقيّ للعودة إلى جذورِ الإنجيل، فيُطبّقونها بالتزمُّت الأعمى الجاهِل، الّذي يُحاكي جَهلَ الفرّيسيّة ومَحدوديّتِها، ويُكفّرونَ من قد يُخالفُهُم الرأي أو أسلوبَ العيش. ومن أبرَز صِفات هذا الانحراف: الإنغلاقِ على الفِكرِ، ورَفض تعليم الكنيسة، لا سيّما ما جاءَ في وثائق المجمعِ الفاتيكانيِّ الثاني نفسَه.
وعلى صعيدٍ آخر، تُمعِنُ العصرنةُ الجديدةُ بتسخيفِ الإيمانِ وتهزأُ عن جَهلٍ بروحِ الإنجيل. فتصير المسيحيّةُ بذلِكَ فارغةً من أيِّ مَعنى، تحاولُ أن تُحاكي عالم اليومِ بحسناتِهِ وسيّئاتِهِ، وكأنّها تَستعطي رضاه.
لا بُدَّ لنا من سلفيّةٍ مسيحيّةٍ صالحةٍ وحميدة، تُعيدُ المؤمنين إلى روحِ الإنجيلِ الحقيقيّ، وتُنقِذُهُم من تطرُّفٍ أعمى، وتَحميهم من عَصرَنةٍ تُفني.
اترك تعليقًا