لجأتَ إلى الكاهنِ مرارًا لتعترف بخطاياكَ وأنت نادمٌ من كلِّ قلبِكَ على جميع ما فعلتَ، وكُنتَ تنوي ألّا تعودَ إلى الخطيئة فيما بعد. نِلتَ الحلّة ومَضيت. لكنّكَ في الأسبوعِ التّالي، عندَ أوّل فُرصة، سقطتَ من جديد. هي الخطيئة نفسُها. تُلاحقُكَ منذُ فترةٍ. ولا تدري إن كُنتَ ستعود إلى كرسيّ الاعتراف، أو إذا كُنتَ في هذه المرّة ستبتعِد عنهُ كونَكَ لا تستحقُّ الغفران، كما تظُنّ. أو ربّما ستحاولُ أن تتخلّى عن آفتِكَ وتتغلّب عليها وبعدها ستعودُ إلى سرّ التوبة. غالبًا ما نعودُ إلى خطيئةٍ اقترفناها في الماضي، وبعضُ الخطايا لم تترُكنا منذُ زمنٍ، وذلكَ لأنّ التوبة مسيرة، قد تبدو صعبة، وتتطلّبُّ منّا الجهادَ الكبير.
بدايةً، عليكَ أن تُدرِكَ أنّكَ لست وحدك من يُعاني من تكرار الخطايا. حتّى القدّيسون عانوا منها. لأنّنا متى مضينا في مسيرة الحياة الروحيّة، يُحاولُ الشرّير بشتّى الوسائل الحطّ من عزمنا، فنتعرّض إلى الكثيرِ من التجارب. ومن التجارب التي نختبرُها، هي ألّا نرى سوى عدمِ ثباتنا بالتوبة ونشعُر فالفشل والإحباط. فالشريرُ يُريدُ أن يحجُبَ عن ناظرَينا عظائمَ الربِّ التي صنعها في حياتنا.
ثقّ برحمةِ الله الكبيرة وبقدرتِهِ على كلِّ شيء. وفي حربِكَ على الخطيئة، دعهُ يكُونُ هو القائد، لا أنت. فهو قاهرُ الشرِّيرِ ومكائدِه، وإذا أوكلتَ لهُ الحربَ ستخرجُ منها مُنتصرًا. فبدل الجهادِ وحدَكَ ضدَّ شهواتِكَ وأزماتِكَ، إلجأ إليه بثقةِ العارفِ أنّ ربّهُ يُنجّيه.
لا تَغتمَّ بسبب خطيئتِكَ الّتي تُحارب، فتصير هي محطَّ اهتمامِكَ الوحيد. فإذا أنستكَ التأمُّلَ بجمالِ الله وما صنعهُ في تاريخِكَ، تكونُ قد انتصَرَت عليكَ مرّةً ثانية. وإذا عادت إلى ذاكِرتِكَ، وهذا طبيعيّ، إندهِشْ بقدرةِ الله التي انتصرت عليها وجعلت منكَ إنسانًا جديدًا.
أمّا في كُرسيِّ الاعتراف، فلا تُقلّل من أهميّة ما يقولُهُ الكاهنُ لك. فالرّوحُ يتكلّمُ من خلالِهِ ليُرشِدَكَ في الطريق. أخبرهُ بتفاصيلِ ما تُعانيه. فلعّلهُ اختبرَ أمرًا مُماثلًا، أو سمِعَ آخرونَ يُعانونَ من الأزمةِ نفسِها، أو يعرِفُ جوابًا وجده من تأمّلهِ بكلمةِ الله. إذهبْ إليه طالبًا إرشادًا لنفسِكَ بإلحاح. ولا تتأخّر عن تنفيذِ ما يطلُبُهُ منكَ كفعلِ تعويضٍ.
ولا تنسَ أنّ الحياة الجديدة مع الربّ لا رخاءَ فيها. فالجهادُ الروحيّ ضروريّ. ولا بدّ لكَ من التمرُّس على عيش الفضائل. وابتعِد عن كلِّ ما يُسبِّبُ لكَ الخطيئة. وكلُّ ما كانَ لك سبب عثرة، فلتقلعهُ. فأشياء كثيرة، وحتّى أناسٌ كثيرون، قد يبدون بغاية الجمال من الخارج، لكنّهم سببَ خطيئةٍ لنا. ولُترافق اعترافَكَ بالتأمّلِ الدائمِ بكلمة الله والمشاركة بسرّ الإفخارستيّا.
وأخيرًا، لا تتوقّف عن التقدّم من سرّ التوبة، حتّى ولو أخفقتَ كثيرًا. فالله بانتظاركَ دائمًا. لكن احذر من استغلالِ رحمتِهِ، بل اذهب إليه تائبًا، مُزمعًا أن تتخلّى عن الإثمِ الذي فيك. سأخبُركَ بما أفكّر. لم أشعُر طوالَ حياتي بأنّني أكبُر بالقامة، لأنّ مسيرة نموّنا تستمرُّ سنوات طويلة. لكنّني اليوم، حينَ أتفرّجُ على صُوَري القديمة، أرى كم كبرتُ وتغيّرت. كذلكَ من يتردّدُ إلى كُرسي الاعتراف، يكبُرُ يومًا بعد يوم. قد لا يشعُرُ بنموّهِ الآن. لكنّهُ بعدَ فترةٍ طويلة، لو تأمّل بماضيه، سيفرحُ بما فعلَهُ اللهُ في حياتِهِ من عظائم.
اترك تعليقًا